كانت وما زالت الأزمة السورية من أهم معضلات العمل السياسي لكثير من دول المنطقة، بعض هذه الدول سقط في فخ الخطب الرنانة والكلمات الفضفاضة، والآخر أصيبت ديبلوماسيته بإرهاق وإجهاد أخرجته من المشهد ككل، على رغم كل محاولاته لعب دور يتنافى مع حجمه الإقليمي والسياسي. وبين كل هذه الصور المتردية من التعاطي مع الأزمة في سورية، كانت للمملكة مواقف واضحة أعلنها صراحة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته التي وجهها إلى الشعب السوري منذ أن تبين مدى القمع والعنف والانتهاكات التي يتعرض لها على يد نظام بشار الأسد في دمشق، وقال الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته التي ألقاها في 9/9/1432ه ما يأتي: «إلى أشقائنا في سورية، سورية العروبة والإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: إن تداعيات الأحداث التي تمر بها الشقيقة سورية، والتي نتج عنها تساقط أعداد كبيرة من الشهداء، الذين أريقت دماؤهم، وأعداد أخرى من الجرحى والمصابين، ويعلم الجميع أن كل عاقل عربي ومسلم أو غيرهم يدرك أن ذلك ليس من الدين، ولا من القيم، والأخلاق. فإراقة دماء الأبرياء لأي أسباب ومبررات كانت، لن تجد لها مدخلاً مطمئناً، يستطيع فيه العرب والمسلمون والعالم أجمع، أن يروا من خلالها بارقة أمل، إلا بتفعيل الحكمة لدى القيادة السورية. وتصديها لدورها التاريخي في مفترق طرق الله أعلم أين تؤدي إليه». ووجه خادم الحرمين الشريفين رسالة واضحة إلى دمشق جاء فيها: «إن ما يحدث في سورية لا تقبل به المملكة العربية السعودية، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، بل يمكن للقيادة السورية تفعيل إصلاحات شاملة سريعة، فمستقبل سورية بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع لا سمح الله . وتعلم سورية الشقيقة شعباً وحكومة مواقف المملكة العربية السعودية معها في الماضي، واليوم تقف المملكة العربية السعودية تجاه مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائها، مطالبة بإيقاف آلة القتل، وإراقة الدماء، وتحكيم العقل قبل فوات الأوان. وطرح وتفعيل إصلاحات لا تغلفها الوعود، بل يحققها الواقع. ليستشعرها إخوتنا المواطنون في سورية في حياتهم كرامةً، وعزةً، وكبرياء. وفي هذا الصدد تعلن المملكة العربية السعودية استدعاء سفيرها للتشاور حول الأحداث الجارية هناك». الموقف من أحداث مصر حاولت بعض وسائل الإعلام المصرية جاهدة خلال 2012 الإيحاء بأن السعودية تمارس ضغوطاً اقتصادية وسياسية على مصر، من أجل الإفراج عن الرئيس السابق محمد حسني مبارك، وتناولت هذه الوسائل بكثير من الإسهاب هذا الملف، بل وعمدت إلى الإيحاء إلى مواطنيها بأن هناك تهديداً سعودياً سيطاول كل المصالح المصرية في المملكة سواء في جانب العمالة التي تزيد على مليون مقيم مصري على أراضي المملكة، أم سحب المشاريع السعودية من الداخل المصري، وتعرضت المملكة وسفارتها في القاهرة لكثير من محاولات الاعتداء من قلة يتم توجيههم من بعض الجماعات المرتبطة بمصالح مع جهات إقليمية يهمها ضرب العلاقة بين البلدين وفصلها، وهو ما حدا بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى استدعاء السفير السعودي لدى القاهرة للتشاور، ومحاولة إيجاد وسيلة تحفظ مصالح البلدين، ولم تمض ساعات حتى انتفضت القاهرة وتوجه وفداً شعبياً يضم أركان المجتمع المصري إلى الرياض والالتقاء بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبوزير الخارجية الأمير سعود الفيصل. وألقى الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلمة خلال لقائه الوفد المصري، في 13/06/1433ه رسمت بوضوح الموقف السعودي من الأحداث المصرية، جاء فيها: «أيها الإخوة والأخوات أشقاؤنا في جمهورية مصر العربية، إن التاريخ المشترك بين بلدينا والقائم على وحدة الدين والنصرة في الحق ليس صفحة عابرة يمكن لأي كائن من كان أن يعبث بها. بل هو بالنسبة لنا أولوية لا تقبل الجدل أو المساومة عليه، أو السماح لأي فعل أن يلغيها أو يهمشها، فهي تقوم في حالة الخلاف على أسس العتب لا على قواعد الخصومة. إن العتب بين الأشقاء باب واسع تدخل منه العقلانية والوعي فاتحة المجال لأي التباس قد يشوب تلك العلاقة، ليقول لها إن مصر بهمومها وآمالها وطموحاتها لها في قلب المملكة المكانة الكبيرة والعكس صحيح. أيها الإخوة والأخوات: إن ما حدث في الآونة الأخيرة من تداعيات في العلاقة بين البلدين أمر يؤلم كل مواطن سعودي ومصري شريف، وما قرارنا باستدعاء السفير وإغلاق السفارة إلا لحماية منسوبيها من أمور قد تتطور لا تحمد عقباها. من مملكة الملك عبدالعزيز رحمه الله أقول لكم أسعدنا حضوركم الذي يعبر عن مكارم الأخلاق المستمدة من عقيدتنا الإسلامية، فأهلاً بكم في وطنكم حكومة وشعباً. وأمام هذا الموقف النبيل لا يسعني غير أن أقول لكم بأننا لن نسمح لهذه الأزمة العابرة أن تطول، وكلي أمل أن يقف الإعلام المصري والسعودي موقفاً كريماً وليقل خيراً أو يصمت». كانت هذه رسالة القيادة السعودية إلى وسائل الإعلام في البلدين، وهي رسالة عاد وأكد عليها قبل أيام عدة نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز، خلال حفلة اختتام مناورات التمرين العسكري المشترك (مرجان 13) بين القوات البحرية السعودية ونظيرتها المصرية، على لسان قائد القوات البحرية الملكية السعودية الفريق ركن دخيل الله الوقداني، بأن «العلاقة بين مصر والمملكة العربية السعودية لا تتوقف على أشخاص بحد ذاتهم وإنما هي علاقة قديمة تربط البلدين وستبقى متينة ومتطورة في القيادة الجديدة، كما أن مصر مكملة للسعودية والسعودية مكملة لمصر».