اندلعت اشتباكات عنيفة في الأحياء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في حلب. وأفاد سكان في كبرى مدن شمال سورية أن مواجهات اندلعت في حي بستان القصر (جنوب غرب) وحي الإذاعة المجاور اللذين تعرضا لقصف من القوات النظامية. كما اندلعت مواجهات في حي السكري (جنوب) حيث يتحصن مقاتلو المعارضة، بحسب السكان. وأوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مدنيين لقيا حتفهما جراء القصف الذي تعرض له حي الصاخور شرق حلب. وأكدت القوات النظامية أنها سيطرت على حي الميدان (وسط) بعد اشتباكات استمرت أسبوعاً، لكنها نصحت السكان بتجنب بعض جوانب الحي، مشيرة إلى تحصن عدد من القناصة فيها. وأشار مراسل فرانس برس في حلب إلى أن بعض أجزاء الحي ما زالت غير آمنة لعودة السكان. كما لاحظ المراسل وجود جثث لعدد من المقاتلين في الميدان. وذكرت صحيفة «الوطن» القريبة من النظام السوري أن «وحدات من الجيش تمكنت من تطهير حي الميدان من فلول المسلحين، في انتظار إعلانه منطقة آمنة خلال ال24 ساعة المقبلة»، مما «سيفتح الأبواب أمام تطهير» الأحياء المجاورة، ومنها باب الباشا وسليمان الحلبي والصاخور. لكن مدير المرصد رامي عبد الرحمن قال في اتصال هاتفي مع فرانس برس إن الوضع في حلب دائم التبدل «عندما يقول الجيش إنه يسيطر على حي، فالأمر ليس سوى موقتاً. يسيطرون على أحياء ولا تلبث أن تندلع مواجهات مع الكتائب الثائرة». وأوضح أن القوات النظامية لم «تستعد» حي الميدان لأنه لم يكن أساساً تحت سيطرة المقاتلين الذين «كانوا يستحوذون فقط على مركز للشرطة وشارعين أو ثلاثة». وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن وحدات من القوات النظامية «تواصل علمياتها لتطهير عدد من المناطق والأحياء بحلب من المجموعات المسلحة»، مشيرة إلى أن وحدة من هذه القوات «استهدفت تجمعاً للإرهابيين في حي الصاخور بالمدينة». إلى ذلك، قال مسؤول تركي إن قتالاً عنيفاً اندلع أمس بين القوات السورية والمعارضة المسلحة عند بوابة تل ابيض الحدودية مع تركيا وإن بعض المنازل في بلدة اكاكالي التركية أصيبت برصاص طائش. واضاف أن المعارضة المسلحة تحاول السيطرة على بوابة تل ابيض الحدودية. وقال إن نوافذ بعض المنازل التركية تضررت. وفي دمشق، أشار المرصد إلى أن اشتباكات تدور على أطراف حيي الحجر الأسود والعسالي (جنوب) مقاتلي المعارضة والقوات النظامية التي تحاول اقتحام الحيين. وفي دير الزور (شرق)، شنت طائرات حربية غارات على مدينة البوكمال صباح أمس بحسب المرصد. وقتل أول من أمس 137 شخصاً في مختلف المناطق السورية. لكن على رغم القصف الجوي وتعزيز الجيش لحملته ضد معاقل المعارضة، يتقدم المعارضون المسلحون في منطقة جبل الأكراد شمال غربي سورية، ويسيطرون على أراض في مناطق الداخل الجبلية المطلة على ميناء اللاذقية على ساحل المتوسط، مهددين المناطق العلوية المعروفة بولائها للنظام. وليس لمنطقة جبل الأكراد المحاذية لتركيا، من الأكراد إلا التسمية فالمنطقة عربية منذ القرن الثالث عشر ميلادياً. وللمنطقة إطلالة ساحرة على تلال مكسوة بأشجار الصنوبر والبساتين وسط تضاريس تشقها وديان وشواهق صخرية نبتت بين حناياها قرى عدة. وجغرافيا السكان شبيهة بجغرافيا المكان. فقد انحاز القرويون العرب السنة الذين يشكلون الغالبية في المنطقة بلا تردد إلى المعارضة المسلحة ضد النظام. أما القرى العلوية الواقعة على تخوم المنطقة فبعضها أبدى حياداً حذراً، لكن معظمها استقبل الثوار بترحاب أو قدموا للنظام (المنتمي قادته للطائفة العلوية) عناصر تقاتل معه. وسيطر المعارضون المسلحون في البداية على المنطقة بكاملها وسط معارك دامية مع القوات الحكومية. لكن الجيش استعاد في حزيران (يونيو) السيطرة على مدينة الحفة السنية القريبة من اللاذقية والواقعة في ريف علوي. لكن في الجبال لم يكن أمام النظام إلا سحب قواته بسبب وعورة المنطقة فجمعها في المدن الكبرى وبعض المواقع المرتفعة والمحاور الاستراتيجية. وقال حبيب الطبيب الوحيد في مستشفى موقت أقيم في قبو ببناية في قرية سلمى «جبل الأكراد أصبح اليوم تحت السيطرة شبه التامة للمجاهدين». ويضيف: «حاول الجيش مراراً التوغل غير أنه كان يتم صده في كل مرة من قبل المقاتلين المسلحين ما يدفع بالعسكريين إلى الانتقام بالقصف العشوائي للمدنيين»، على حد قوله. ويعالج حبيب من دون أن تتوافر له غرفة عمليات، يومياً 70 شخصاً من المدنيين والمقاتلين. ويقول إنه يشعر بالاشمئزاز من هذا «النظام الذي أصبح مجنوناً ويسحق شعبه بالقنابل». ولا يتوقف قصف المدفعية على جبل الأكراد حيث دمرت مساحات من الغابات أشعلتها القذائف. وفي قرية سلمى كبرى تجمعات جبل الأكراد تحمل غالبية المباني آثار القصف. وتحلق المروحيات يومياً فوق القطاع وتطلق النار من رشاشات ثقيلة. وعوضت الدراجات النارية السيارات التي أصبحت أهدافاً سهلة للمروحيات. كما أن سعر البنزين أصبح مرتفعاً جداً. ولا ماء أو كهرباء منذ أربعة أشهر. ولا تصل المساعدات الإنسانية إلى هذا المكان التي تزيد طبيعته أصلاً من صعوبة الوصول إليه. وإزاء النقص الحاصل يحاول السكان الذين بقوا في منازلهم تنظيم حياتهم. وتوفر الأرض الخصبة قسماً من الحاجات. وتصل المساعدة الغذائية والأدوية من تركيا بفضل مبادرات شخصية. ويعمل أبو معطى صباحاً مساء في تأمين قسم من المساعدات متمثلاً في أكياس من الطحين وزجاجات الزيت تؤمنها من الجانب الآخر من الحدود جمعية «نور الهدى» السورية أو الهلال الأحمر التركي. ويقود أبو معطى «غير المؤيد للعنف» حافلته الصغيرة المتهالكة في الطرقات المتعرجة للجبل لتوزيع المؤن على المدنيين و «المجاهدين». ويلقى المعارضون المسلحون دعماً من القرويين الجبليين المسلحين. لكن المساعدة تقف عند حدود القرى العلوية التي تشكل رأس جسر للجيش ومنطقة نشاط للشبيحة. وهي مناطق تعتبر حتى بالنسبة لأبي المعطى المسالم «مناطق خطرة لا يحسن المغامرة فيها». وتتداخل القرى السنية والعلوية في المكان وسط مشاعر ريبة قديمة واحتمال وقوع مجازر كبير فيها. ويقول أبو بديع أحد قادة المقاتلين المعارضين في جبل الأكراد «الخطر قائم ولذلك فقد رحلنا أسرنا من المناطق الأكثر عرضة» للخطر. ويؤكد: «عشنا معاً لمئات السنين وهناك روابط لا تزال قائمة بين قرانا، والعلويون يعيشون بسلام في جبل الأكراد». ويقول الطبيب حبيب: «الحرب الطائفية فخ نصبه (نظام الرئيس بشار) الأسد»، مضيفاً: «المشكلة ليست بين السنة والعلويين بل بين الشعب وهذا النظام الوحشي». إلى ذلك، قال مسؤولون عراقيون إن العراق أعاد فتح حدوده مع سورية امس لاستقبال اللاجئين الفارين من العنف في بلادهم لكنه رفض دخول الشبان لدواع أمنية. وقال مسؤول في المجلس المحلي لمحافظة الأنبار العراقية إن الحكومة المركزية تخشى «أن يكون بعض الشباب منخرطاً ضمن صفوف القاعدة أو الجيش السوري الحر». وكان معبر القائم قد أغلق في نهاية آب (أغسطس) عندما نشبت معركة بين القوات السورية المدعومة بالطائرات المقاتلة ومقاتلي المعارضة للسيطرة على مطار وقاعدة عسكرية قرب بلدة البوكمال الحدودية السورية على بعد أمتار من المعبر وعلى طريق إمداد رئيسي من العراق. وقال فرحان فتيخان قائمقام بلدة القائم لرويترز في مكالمة هاتفية: «رئيس الوزراء أعطى أوامره باستقبال مئة لاجئ سوري يومياً والأولوية للنساء والأطفال والعجزة والجرحى والمرضى. الشباب غير مشمولين بالدخول». وأضاف فتيخان أن السلطات العراقية أقامت مخيماً للاجئين يستوعب 500 أسرة. وتعاني القائم بالفعل من امتداد الصراع السوري وتحلق طائرات سورية في المجال الجوي العراقي في شكل شبه يومي لقصف مواقع مقاتلي المعارضة داخل العراق مباشرة. وتقول بغداد إن لديها أدلة على أن مقاتلين متشددين من السنة يعبرون الحدود غير المحكمة لمحاربة قوات النظام. وقال المسؤول في محافظة الأنبار الذي طلب عدم نشر اسمه: «هذا قرار مجحف بحق العوائل السورية... بعض العوائل السورية ترفض أن تترك أبناءها خلفها». وأغلب السكان في البوكمال لديهم أفراد من عائلاتهم في القائم وعارضت حكومة الأنبار إغلاق الحدود منذ البداية.