لم يسفر الانفجار في مخزن اسلحة الجيش التركي في محافظة أفيون عن مقتل 25 جندياً فحسب، بل شرّع كذلك الابواب أمام بروز كثير من الأسئلة عن مكانة الجيش داخل الدولة في هذه الأيام وأوضاعه. وجليّ أن قائد الأركان، الجنرال نجدت أوزال، تحاشى التعليق على الانفجار امام وسائل الاعلام، لكن عدسات الكاميرا التي لاحقته أظهرت ان الاستياء بادٍ عليه. وسرب مقرّبون منه انزعاجه من الطريقة التي تناول فيها الاعلام ما حدث، و «تطاول» بعض الصحف على المؤسسة العسكرية التي كانت الى وقت قريب منزّهة عن الانتقاد. ويسعى كل من الحكومة والمؤسسة العسكرية الى تأكيد أن الانفجار سببه الإهمال وليس ناجماً عن هجوم انتحاري او محاولة تخريبية. وقد لا يجافي ما تقوله الحكومة الحقيقة، لكنه لن يعيد الى الحياة 25 مجنداً ولن يحسّن صورة الجيش. ولا يستهان بفداحة الكلام عن الإهمال في جيش يعمل تحت مظلة «الأطلسي» ويفترض ان يلتزم معايير الحلف. وهذه الحادثة هي الثالثة من نوعها في تركيا والتي تُعزى الى الإهمال. ويرى متابعون لشؤون الجيش أنه بدأ عامه الحالي بسلسلة طويلة من حوادث الإهمال التي أحدثت ضجة كبيرة، فمن قتل 34 مهرباً كردياً في جنوب شرقي تركيا من طريق الخطأ وحسبان أنهم مسلحون أكراد، الى مقتل طيارَيْن تركيين كانا على متن طائرة استطلاع على الساحل السوري أسقطها الجيش السوري، وصولاً الى هجمات كبيرة ل «حزب العمال الكردستاني» على مواقع الجيش، أدى الإهمال في كثير منها الى زيادة عدد الضحايا في صفوف الجنود. وتسللت مجموعة إرهابيين أكراد من الحزب الكردستاني الى قلب الأناضول ونفّذت عمليات هناك على رغم أن السيارة التي كان الإرهابيون يستقلونها اصطدمت بسيارة جنود في أول الطريق الى الأناضول، ولم تحل الحادثة دون تنفيذهم عمليتهم. وسلسلة الإهمال تطول لتنتهي بانفجار مخزن السلاح. ولا يخفى أن الجيش التركي لا يعيش أيامه الذهبية. فالمؤسسة التي تدخّل جنرالاتها في السياسة وانقلبوا على الحكومات وأعدموا سياسيين وسجنوهم، تتعرض اليوم للملاحقة امام القضاء، وتوجه اليها الاتهامات بالتحضير لانقلابات. وفي ليلة واحدة اعتُقِل 36 ضابطاً رفيعي المستوى، وثمة عشرات الجنرالات في السجون. ويقبع قائد الأركان السابق، الكر باشبوغ، في السجن منذ سنة بتهمة «تشكيل منظمة ارهابية»، واعتقاله ازعج رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي قال اكثر من مرة إنه لا يفهم لماذا لا تحاكم المحكمة باشبوغ من غير توقيفه طوال مدة المحاكمة التي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً. وتناهى الى مسمع كثيرين أن حبس الجنرالات والضباط أدى الى موجة غضب وانفعال في صفوف الجيش، وسمع كثيرون من الاتراك أخباراً تناقلها بعض عناصر المؤسسة العسكرية تثير القلق. فثمة جندي تركي على الحدود مع العراق رفض أوامر قائده بإطلاق النار والرد على هجوم «حزب العمال الكردستاني»، ورهن تنفيذ الأمر بأن يأتيه قائده بأمر خطي من انقرة يجيز إطلاق النار. ومثل ذلك كثير من القصص التي تُظهر تردد الجنود والضباط في اتخاذ أي قرار أو تحمل أي مسؤولية. وثمة روايات عن انسحاب الضباط والجنرالات من الاجتماعات العسكرية مع السياسيين ومسؤولي الحكومة والاكتفاء بالقول: «خذوا انتم القرار كما شئتم، نحن لا رأي لنا. علينا فقط التنفيذ». ورفض ضابط مسؤول عن مراقبة حركة الإرهابيين في شمال العراق بواسطة طائرات من دون طيار، تقديم تقرير عن تلك التحركات بذريعة أن تعريف وظيفته هو مراقبة الحدود التركية وأن ذلك قد لا يعني مراقبة ما هو أبعد عن تلك الحدود أو خارجها، وأنه يريد تجنب المشكلات القانونية! لا أعرف اذا كانت الحكومة خططت لأن ينتهي الأمر بالجيش الى هذا الحد من السلبية، ورمت الى تجريده من حس المبادرة العسكرية. ولكن في ضوء تعاظم هجمات «حزب العمال الكردستاني» وتدهور الأوضاع في سورية، حري بالحكومة أن تستوقفها حال المؤسسة العسكرية، وأن تنظر في ما إذا صارت هذه الحال تشكل تهديداً لأمن تركيا القومي. * معلّق وكاتب، عن «راديكال» التركية، 12/9/2012، اعداد يوسف الشريف