كان نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد «صلى الله عليه وسلم» إذا اشتد عليه كربٌ رفع عينيه إلى السماء في وقار وخشوع وتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أُبالي لكنّ عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت من أجله الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تحل بي غضبك، أو تُنزل عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك». المحن والصدمات القاسية والمؤامرات التي كانت تحاك ضد رسول الله وأصحابه واجهها «عليه الصلاة والسلام» بالصبر والمثابرة ونفس كريمة عفيفة لا تعرف الأحقاد والضغائن، كان صادقاً مع نفسه ومع قومه، وسطر لنا القرآن الكريم والسيرة النبوية حياة محمد صلى الله عليه وسلم بأحرف من نور غمرت الأرض عدلاً ومنهج حياة، ورحمةً للعالمين. واجهت الملحمة المحمدية ولا تزال شرذمة من «لقطاء» الفكر والثقافة، تظهر بين الحين والآخر مقتفيةً أثر أبي لهب، وعبدالله بن أبي، يختفون في سراديب الارتزاق والاحتطاب بأيديولوجيات الكراهية، ويظهرون علينا في أثواب الفسق والرياء والنفاق بصور وأشكال وعمائم وأدوار مختلفة، إرادتهم مسلوبة لصناديق الدرهم والدينار، (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم). في ذروة دعوة إسلامية صادقة أجمع عليها قادة المسلمين في قمة مكةالمكرمة المنعقدة في شهر رمضان الماضي، بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين الأديان، تُضللها خيمة التسامح ونشر التعايش والمحبة بين الأديان السماوية، خرج على العالم شرذمة من المعتوهين في خُلُقهم وأخلاقهم وقيمهم وثقافتهم، بإنتاج فيلم يعتقدون أنه يُسيء للإسلام والمسلمين والنيل من سيرة المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولكنه في حقيقة الأمر يسطر بأحرف من الجهل والكراهية والحقد ما تكنه صدورهم وما وصلت إليه مكتسباتهم الثقافية. القس الأميركي المتطرف تيري جونز، والناشط القبطي موريس صادق، وهو كاذب «شاذ» في عقله وفكره، ونيكولا باسيلي الذي إرتعد خوفاً ورعباً من رد فعل المسلمين، وأخذ يقذف بهويته، تارةً باتجاه اليهودية، وأخرى باتجاه الأميركية، وأخيراً المصرية، هؤلاء هم من تتداول وسائل الإعلام العالمية مسؤوليتهم عن إنتاج الفيلم مدعومين بتبرعات 100 يهودي يعملون ضمن برنامج دنيء لفضح مساوئ الدين الإسلامي، كما يدعون، إنهم إذاً خلية لمنظمة كبرى تعمل في سراديب فكر كنائسي؟! تأملوا جيداً في توجهات المسلمين قادةً وشعوباً وهم يميلون برغبة جادة وصادقة إلى حوار يجمع ولا يفرق، يؤلف بين القلوب ولا يُمزقها، يفتح المجال للتقارب والتعايش والتسامح ولا يُغلقها، ولكن صدق الله العظيم القائل في محكم التنزيل: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع مِلتهم). الوكلاء الحصريون لقوى السيطرة على مقدرات الشعوب، هم من يصنع الإرهاب، ومن يُشجع على الفوضى والانتقام والتدمير، اتهموا المسلمين بالإرهاب وهم صانعوه وداعموه والمخططون له، إنهم يُحيون ذكرى 11 أيلول (سبتمبر) ويغذونها بثقافة وصراع العداء بين المسلمين والغرب، ولا يمكن أن تكون مصادفةً إظهار الفيلم المسيء ونشره للعالم، والشعب الأميركي يعيش ذكريات 11 من سبتمبر المأسوية؟! لم يسجل التاريخ أن مجموعة من المسلمين ألفوا كُتباً، أو أنتجوا أفلاماً تُسيء إلى أي من الأنبياء عليهم السلام، أو الكتب والأديان السماوية، فلماذا أنتم تنالون من ديننا، ورُسلنا ورموزنا وموروثنا الحضاري؟ وبماذا نُفَسرّ هذا الاحتضان اليهودي والمسيحي والرعاية التي يجدونها على أراضي دول غربية تحت غطاء ديموقراطي يكيل بمكيالين أحدهما نقيض الآخر؟! اسمحوا لي أن أقول إنكم في الولاياتالمتحدة الأميركية والدول الغربية، بحضارتكم وثورتكم العلمية والصناعية تُبهرون العالم، ولكنكم تسقطون للهاوية عندما تُبرزون لنا عن الوجه الآخر، امتداد ثقافة الصراع الديني في القرنين ال«16 و17» الميلاديين، التي استمرت 131 سنة، بين عامي 1517 و1648، وتحاولون إحياءها بصراع بين الإسلام والغرب؛ وضعتم قيوداً وحصانة تُجّرم وتمنع المساس أو العداء للسامية، وتنفجرون غضباً عند معاداة الديانتين المسيحية واليهودية، وفي المقابل نشهد الرعاية ولي أعناق القيم والقانون عندما تكون الأحداث ذات علاقة بالإسلام والمسلمين، ولذلك أطالب منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الاسلامي إصدار قرار عاجل من القمة الإسلامية تُحرّم وتُجَرمّ المساس بالدين الإسلامي والأنبياء والرسل والصحابة. بأبي أنت وأمي يا محمد يا رسول الله، واجهت في ملحمتك المحمدية المطهرة زمرة أبي لهب فنصرك الله، وتوعده جل شأنه بنار ذات لهب، (وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد)، ولا تزال أمتك تواجه أحفاد أبي لهب وعبدالله بن أبي، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون). [email protected] @alyemnia