تناولت الرسل والرسالات المكانة العظيمة لسيد الخلق وخاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، وكتبت السير والمغازي عن خير الخلق وعظيم الإنسانية بأنه منذ طفولته عاش على طهر وطهارة وكريم خلق، وأزهد بشر في حياته ودنياه؛ تقشف وسمت وتواضع، وعرف بالأمين، والعادل في الأقضية والأحكام، ومؤتمن على الرسالة والوحي والتبليغ، كما أشار إلى ذلك جمهرة من الفقهاء والمفسرين كالإمام الفقيه المالكي القرافي -رحمه الله تعالى- في الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، شخصية تواضعية في غير ضعف، قوية في الحق وإعطاء الحقوق. وعلى الرغم من هذه المناقب والسجايا فإن منهم على هذا الطراز النبوي الفريد من إخوانه من الأنبياء والرسل الكرام صلوات الله عليهم أجمعين، قد تعرضوا لحملات مشينة وتكذيبات افترائية وصنوف من التنكيلات والآلام والمحن والسخرية من قبل الأهل والخلان والعشائر والأصحاب، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا ولا استكانوا، وسجلت مصادر التشريع الإسلامي كالقرآن الكريم الحملات والأكاذيب والأذى ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خصوصا من الكفار والمشركين والحسدة والأفاكين، كالاتهام بالكهانة والسحر والتأليف القرآني، وكلها أباطيل لم ينقص من قدره ومكانته، بل أعلى الحق تبارك وتعالى شأنه وجعل أعداءه هم الخاسرين والأبترين. وفي قرننا الحالي اشتدت سعور الهجوم الغربي والاستشراق النصراني واليهودي، وأصبح غير خافٍ على أحد هذا العداء والتطاول، خصوصا من قبل المفكرين والباحثين غير الموضوعيين. وقد خرج عبر وسائل الإعلام الغربي حقود من سلاسة النشطاء الخاملين شخص يدعى روبرت سبنسر، وبعرف بأنه باحث نشط في موقع ليكودي أمريكي، معلنا أنه سيصدر كتابا في الصيف المقبل، وقد أعد له العدة وهو بعنوان (هل وجِد محمد؟ وهل عاش محمد؟)، وإذا عرف السبب بطل العجب، فالقزم في فكره وقامته والوقح في إصداراته عاش وفي حنجرته غصة وعداء من رجل غير الحياة وأحدث قولبة عقدية، وشريعية في حياة العالم صلى الله عليه وآله وسلم. لقد عرف عن سبنسر مهاجمة الإسلام والمسلمين والتشريعات الإسلامية التي أنزلت على الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم؛ فكون الدولة، وأسس الحكم، وبلغ الناس الخير، وفتح الحوار مع الآخرين من أهل الديانات والعقائد، ومد جسور العلاقات الدولية الإسلامية، ونظم آليات التعامل مع الطوائف الدينية في المدينة النبوية من اليهود والنصارى وغيرهم في إطار من ملتقيات رسائل إخوانه من الأنبياء والمرسلين والثوابت المشتركة بينهم، فقدم النموذج المثالي والخلق الراقي في التعامل حتى مع المخالفين من اليهود وغيرهم. فهذا الليكودي سبنسر يجيش الإعلام الغربي وينشر الدعاية لكتابه المضل، فيقدم بعضا من عناوين فصوله التي تحمل التشكيك والتلفيق، تشاركه زمرة من عصابة الافتراء والكذب لتسوق لهذا الكتاب، ولتحمس وتشعل المواقع اليهودية ضد الإسلام والمسلمين ونبي الأمة المحمدية صلى الله عليه وآله وسلم. ترى ما دور مراكز الحوار العالمي وحوار الديانات؟!، أليس من الواجبات الإسلامية وأهداف المراكز الحوارية الاهتمام بفصول هذه المهازل والتطاول على الإسلام في تاجه ورمزه الأول صلى الله عليه وآله وسلم؟!. إن المؤمل ينعقد على مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين اتباع الأديان والثقافات، الذي سيكون مقره في العاصمة النمساوية فيينا، والذي حددت مادته الثانية الدعوة إلى تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتشجيع الاحترام والتفاهم والتعاون المشترك بين الناس، ودعم العدل والسلام والتصدي لسوء استخدام الدين لتسويغ الاضطهاد والعنف، وتعزيز الاحترام للرموز الدينية، إنه مركز مهم وكبير ويحتاج إلى هامة كبيرة عالية التكوين لإدارته من الكفاءات الوطنية المتخصصة. وختاما أقول: إننا في عصر الحملات العدائية، فيجب فتح قنوات حوارية غير تقليدية، ويجب ألا يفوتنا الإشادة إلى أن في الغرب مفكرين وساسة وأكاديميين يتحدثون عن الإسلام بإنصاف، أمثال: ليوبولا فايس، والعالم الأمريكي مايكل هارث، والمفكر القانوني الفرنسي مارسيل بوازار، والبروفيسور مونته السويسري، فهؤلاء يجب ألا تضيع أصواتهم وكتاباتهم في دوكة المخططات العدائية التي تضع الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون). * أستاذ السياسة الشرعية والأنظمة المقارنة.