كشفت دراسة ميدانية أجرتها وكالة «رويترز» أخيراً أن السعودية تحتل المرتبة الثالثة في قضايا التحرش الجنسي من بين 24 دولة شملتها الدراسة. وتبين أن 16 في المئة من أصل 12 ألف موظفة سعودية ممن شملتهن الدراسة تعرضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي، سواء كان لفظياً أم معنوياً أم في مواقع العمل. وتصدرت الهند القائمة بواقع 26 في المئة، تليها الصين بواقع 18 في المئة. وفي الوقت نفسه كشف تقرير صادر عن هيئة التحقيق والادعاء العام في السعودية في تموز (يوليو) الماضي أن قضايا الاعتداء على العرض والأخلاق التي صنفت من خلال التقرير إلى 4 فئات، كانت بغالبيتها قضايا «تمس بالعرض» بحسب التصنيف مثل «الزنى واللواط والاغتصاب والخطف والخلوة غير الشرعية والتحرش» بنسبة 46.79 في المئة، بواقع 14795 قضية، فيما جاءت القضايا الماسة بالآداب الشرعية (الاختلاط والمعاكسات وشهادة الزور والتبرج والسفور والإيواء) في المرتبة الثانية بنسبة 39.43 في المئة، من مجموع قضايا الاعتداء على العرض والأخلاق، وعددها 12467 قضية. هذه الأرقام دفعت مجلس الشورى السعودي إلى إعادة دراسة قانون التحرش الجنسي بعد تعديله إلى نظام متكامل للحماية من الإيذاء. ويتضمن النظام الجديد، إلى جانب بنود ولوائح نظام مكافحة التحرش الجنسي بالنساء، أخرى تتعلق بكل قضايا الإيذاء للمرأة والطفل في المجتمع، إذ يتضمن بنوداً تفصيلية لمعاقبة المتحرشين جنسياً بالمرأة، سواء كان تحرشاً لفظياً أم باللمس، وعقوبات أكثر صارمة بالمتحرشين بالقصر من الأطفال. يذكر أن النظام الجديد للحماية من الإيذاء يشمل عقوبات مصنفة بحسب كل مخالفة تبدأ بالإنذار والغرامات المالية وتنتهي عند الحكم بالجلد والسجن. في السياق ذاته، طالب متخصصون في القضايا الاجتماعية بسن قوانين واضحة وعقوبات صارمة ورادعة للحد من تفاقم قضايا التحرش الجنسي في السعودية خصوصاً، أنها لا تستثني فئة من دون أخرى. وقالت عضو جمعية حقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين ل «الحياة»: «للأسف الشديد، عززت النظرة الدونية للمرأة عند بعض شرائح المجتمع، واعتقاد أنها خلقت لمتعة الرجل وخدمته فقط» قضايا التحرش. وأضافت: «ما نحتاجه في مجتمعنا، إعادة تأهيل المجتمع وتغيير مفاهيمه تجاه المرأة، من خلال برامج توعوية إضافة إلى تغير المناهج الدراسية بما يخص المرأة ووجودها في المجتمع». وزادت: «معدلات هذه القضايا في المجتمع غير محددة، خصوصاً أن ما يصل إلى جمعية حقوق الإنسان أو الجهات المعنية حالات قليلة جداً، لكنها تبقى مؤشراً إلى وجودها». وعزت قلة قضايا التحرش التي تصل إلى الجهات المعنية إلى «طبيعة المجتمع وخوف المرأة أو الطفل الذي تعززه ثقافة مجتمعنا والمنحصر في الخوف من الفضيحة». وترى زين العابدين أن الحد من تفاقم هذه المشكلة يستند إلى «سن قوانين رادعة وعقوبات صارمة وواضحة بالمتحرش»، وتابعت: «لن يردع المتحرش في مجتمعنا إلا وجود عقوبات صارمة، تصل – بحسب الجرم - إلى التعزير بالقتل في حال اغتصاب الأطفال مثلاً». ويؤكد أستاذ علم الاجتماع الدكتور أبو بكر باقادر على ضرورة سن قوانين صارمة ورادعة للحد من تواجد هذه الظاهرة، «لا سيما أن لدينا عدداً من التصرفات المنتشرة بين أوساط الشبان تعد من التحرش مثل الترقيم والتلفظ بعبارات خادشة للحياء». واعتبر باقادر إن هذه التصرفات تعد من جرائم انتهاك الحريات التي يعاقب عليها القانون في الكثير من الدول المتقدمة. وأشار إلى أن الأسباب كثيرة لتواجد ظاهرة التحرش في مجتمعنا في مختلف فئاته، وحدد باقادر تلك الأسباب في ضعف الوازع الديني ونوعية الحياة العصرية إضافة إلى المبالغة في الخطاب الديني المتشدد والذي أسهم بطريقة غير مباشرة في رد فعل عكسي نفسي. وقال: «المغالاة في التشدد تؤدي إلى الكبت والحرمان ومن ثم سوء التعامل مع الطرف الآخر وانتهاك الحرية في المجتمع. نحن بحاجة لتصحيح العديد من المفاهيم من خلال تقوية الضحية سواء كانت امرأة أم طفلاً وتدريبها على كيفية التعامل مع هذه التحرشات إضافة إلى تعزيز ثقتها بنفسها وتدريبها على الدفاع عن نفسها والإبلاغ عن الجريمة في حال حدوثها». وتابع: «الإشكال في هذه الجرائم لدينا أن التعامل معها أو الحديث عنها لا يزال في طور المحظور إذ إن العادات والتقاليد والخوف من الفضيحة جعلتها في قائمة المسكوت عنه حتى داخل الأسر». وأشار إلى أهمية تدريب الصغار على التصرف في حال تعرضوا لموقف تحرش من أحدهم وإبلاغ الأهل الذين بدورهم لا بد من أن يتفاعلوا مع الطفل ويبلغوا الجهات المختصة.