تأتي ذكرى 11 من أيلول (سبتمبر) لتؤكد لنا أن التطرف لا مذهب له ولا لون ولا أيديولوجيا، فالأديان والأيديولوجيات معرضة لمثل هذا النوع من التشدد، لكنّ المثير للاستغراب هو أن الإعلام الغربي يتعامل بازدواجية وانتقائية في مثل هذا الموضوع، ففي الوقت الذي يبرر فيه التطرف المسيحي/ اليهودي بالحرية الشخصية، أو بالدفاع عن النفس، يحاول الإعلام الغربي تعميم نماذج وصور التطرف التي يقوم بها بعض المسلمين، ما يسهم بشكل سلبي في تشكّل صورة نمطية خاطئة عن الإسلام وحقيقته التي جاء من أجلها (وما أرسلناك الإ رحمة للعالمين). في العمل المسيء لنبي الرحمة «صلى الله عليه وسلم» اجتمع التطرف المسيحي المتمثل في «موريس صادق، وعصمت زقلمة، المعروف برئيس الهيئة العليا للدولة القبطية، والقس الأميركي المتطرف تيري جونز»، والتطرف اليهودي من جهة أخرى، المتمثل في مخرج ومنتج الفيلم «سام باسيل»، وهو إسرائيلي أميركي، وفقاً لتقرير نشرته «wall street journal»، وقد أخرج لنا هذا «التزاوج» المتطرف هذا الفيلم المسيء لجانب مقدس لدى المسلمين على اختلاف طوائفهم، وكنتيجة لذلك ثارت نفوس الجماهير المسلمة في كل مكان استنكاراً لمثل هذا العمل المشين بحق النبي الخاتم «صلى الله عليه وسلم»، لكن التساؤلات التي يجب أن تُطرح الآن هي عن «الفعل» و«رد الفعل» بين الشارع العربي من جهة والغرب من جهة أخرى. في هذه الزاوية من النظر يمكننا القول إن الموقف العربي السياسي في كثير من القضايا المصيرية العالقة، كفلسطين وسورية والعراق، يتصف بالعقم، إضافة إلى ضعف كبير في حراك المجتمع المدني العربي ومؤسساته في حقبةٍ تاريخية تتصف بالعولمة وتقودها المنظمات والتكتلات والكيانات العابرة للقارات، وهذا العمل المسيء يعود للمنهجية التي تتعامل بها بعض القوى والمنظمات الغربية مع العالم الإسلامي، وهي منهجية «الاستفزاز»، التي لن تنتج في مثل عالمنا العربي والإسلامي وظروفه السوسيو ثقافية المليئة «بالفوضى غير الخلاقة»، إلا حالات من التطرف المقابلة، وردود الضعف التي ستسيء إلى موقفنا وصورتنا لدى العالم بأسره. ما حدث في ليبيا ومصر خلال الأسبوع الماضي يمثل رد فعلٍ «مفسّر لا مبرر» تجاه هذا الاستفزاز، الذي تقوم به مجموعات متطرفة داخل الولاياتالمتحدة الأميركية، وهنا آمل أن أسلط الضوء بقدر سعة هذه المقالة على أهم المعالجات التي من شأنها أن تسهم في تفادي أن تخرج ردود الفعل عن إطارها الصحيح، فتسيء لنا أكثر مما يمكن أن تجلبه لنا من النتائج المثمرة: الحراك الشعبي الكبير «المنضبط» أمام الغرب، والمتمثل في الوقفات الاحتجاجية التي ظهرت في بلدان كثيرة، والمواقف المعارضة لمثل هذا العمل المسيء عبر وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة هي ظاهرة إيجابية تستحق الإشادة، وتحتاج في الوقت نفسه إلى أن تكون أكثر فاعلية بانتظامها داخل قنوات مؤسسات المجتمع المدني «الوسيطة»، والوسائل القانونية والإعلامية والسياسية الممكنة في مثل هذه الظروف، ذلك أن حراك الشارع بلا وعي سياسي ومسؤولية وطنية لن يُحدث إلا نتائج عكسية، فردود الأفعال التي تتداخل فيها مجموعات متطرفة تحمل أجندة خفيّة ستنتهي بمثل ما حدث في سفارتي أميركا في مصر وليبيا. الغرب ليس كتلةً واحدة، فهناك فئة متطرفة تقابلها فئات أكثر تتسم بالاعتدال قامت بإصدار بيانات تستنكر مثل هذا الفيلم المتطرف، ولذا فإن التعامل مع الغرب على أنه فصيل واحد منهجيّةٌ تفتقد العدل وضبط النفس التي جاء بها الإسلام (ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى)، (وليسوا سواءً)، فالتفريق بين متطرف ومعتدل ومعاهد ومؤتمن أولويات منهجية قبل اتخاذ أي موقف مقابل تجاه الغرب برمته. مثل هذه الأحداث تثبت عجز الأنظمة السياسية العربية في احتواء رد فعل الشارع العربي، أو موازاة حراكه أمام القضايا التي تشغله، فضلاً عن عجزها عن إيصال صوته عبر القنوات والأساليب الديبلوماسية والسياسية، وفي الاتجاه نفسه نلحظ فقدان النخب العربية والإسلامية القبول والإجماع الشعبي حول مواقفها في مثل هذه الظروف، وهذه ظاهرة خطرة، إن سلمنّا جدلاً بمنطقيتها في ظاهرة «الربيع العربي»، لكنها في مثل هذه الحال دليل على فجوة كبيرة بين هموم الشارع العربي، وتوجهات رموزه الثقافية والفكرية والدينية، ولا يمكن بهذه الحال ضبط حراك الجماهير العربية، أو تحويل حراكها من «رد الفعل» إلى «الفعل الإصلاحي المنتج»، فالانفلات في مثل هذه الظروف نتيجة طبيعية لعجز الشارع العربي عن الإجماع على قيادة واعية تلتف حولها حركة الجماهير العربية. العالم اليوم «مسطّح»، كما يعبر «فريدمان»، والشركات والمنظمات الدولية الكبرى من السهل لها أن تتجاوز الأنظمة السياسية في أي بلد في ما يحقق مصالحها ويدافع عن حقوقها، فالنفوذ السياسي يتقلّص داخل الدول التي يحكمها القانون، وهنا نحن بحاجة إلى أن نستفيد من آليات المجتمع المدني الغربي ومؤسساته في تعاملها مع قضايانا المصيرية، ولنتذكر جيداً مقولة المستشار الألماني الشهيرة «الحمقى هم الذين يستفيدون من تجاربهم، أما أنا فأستفيد من تجارب غيري». * كاتب سعودي. [email protected] @magedAlgoaid