بزّتها السوداء متروكة في المختبر في قلب «متحف كوري» في باريس الذي ارتدى حلة جديدة بعد أعمال تأهيل استغرقت سنتين في المكان «المفعم بالذكرى والحكايات»... حتى يكاد الزائر يتوقع ان يلتقي فيه ماري كوري، العالمة الحائزة جائزة «نوبل» والتي استحالت أيقونة. يقع المتحف الذي يسيطر عليه الخشب الفاتح اللون من تصميم المهندس المعماري فيليب ديبوتيستاد، في الطابق الأرضي من «بافيون كوري» في أحد أقدم الأبنية في «معهد الراديوم»، مهد العلاج الإشعاعي الذي أصبح اسمه لاحقاً «معهد كوري». المكان صغير لا تتجاوز مساحته 150 متراً مربعاً، لكنه منظم جيداً. وهو فقد طابعه «القديم» الذي لم يكن يشفي غليل الزوار الأجانب الكثر، محافظاً في الوقت ذاته على روحه الأصلية. ويقول مديره رونو هوين «انه مكان للذكرى وللحكايات». ويكرم المكان ذكرى ماري سكلودوفسكا - كوري المولودة في وارسو، «الشخصية العالمية التي أصبحت أسطورة»، بحسب تعبير رئيس «معهد كوري» كلود اورييت. فهي المرأة الوحيدة الحاصلة على جائزتي «نوبل» (الفيزياء في 1903 والكيمياء في 1911)، وهي أول أستاذة في كلية العلوم في جامعة «السوربون» وأول امرأة تدخل بفضل جدارتها الخاصة ال»بانتيون»، النصب الذي ترقد فيه كبرى الشخصيات الفرنسية. إلا أنه أيضاً متحف لتاريخ العلوم يروي من خلال معدات ووثائق قديمة تاريخ الإشعاعية. وهو أيضاً تاريخ عائلة، هي عائلة كوري وعائلة جوليو- كوري التي جمع أفرادها خمس جوائز نوبل: جائزتان لماري وجائزة لزوجها بيار واثنتان أخريان لابنتها ايرين وصهرها فريديريك جوليو- كوري. وبفضل هبة قيمتها مليون دولار من ابنتها الصغرى إيف، التي توفيت العام 2007، تمكن المتحف من ارتداء حلة جديدة. وعملت مدام كوري طوال عشرين سنة بين هذه الجدران، واكتشفت ابنتها ايرين مع زوجها فيها الإشعاعات الاصطناعية. ويقول هوين إن أعمال الترميم وفقت بين «احترام المكان» والتكنولوجيات الجديدة. والمكان المخصص للزيارة يتمحور على مكتب كوري الذي ترك كما هو مع الأثاث والأجهزة العائدة الى تلك الحقبة من هاتف ومحبرة والمختبر. واضطر القائمون على المشروع لإعادة تشكيل بعض العناصر مثل الظهرية الخشبية التي تغلغلت فيها الإشعاعات بعمق. وأزيلت الإشعاعات بعناية من كل الأجهزة والمعدات، كما «طورد» أي أثر للراديوم في الأرضية الخشبية للمتحف. أما المكان المخصص للمعارض فيتضمن صندوقاً صغيراً مصنوعاً من الخشب والرصاص يحتوي على «غرام الراديوم» الذي قدمه الرئيس الأميركي وارن هاردينغ إلى كوري عام 1921. ويعرض متحف كوري كذلك الاستخدامات الغريبة أحياناً لهذا المعدن الذي كان يُعد سحرياً: نوافير من الراديوم تنتج مياهاً مشعة أو كريم «ثو- راديا» الذي «يعالج حروق الشمس».