اقتحم متظاهرون يمنيون امس حرم السفارة الأميركية في صنعاء في إطار الاحتجاجات على عرض فيلم مسيء إلى الإسلام في الولاياتالمتحدة، وأحرقوا عدداً من السيارات المتوقفة في باحتها، قبل أن تتمكن قوات الأمن من طردهم واعتقال بعضهم. وقدم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اعتذاراً رسمياً إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما عن الاقتحام، ووصف في بيان مقتحمي السفارة بأنهم «جماعات غوغائية لا تعي ولا تدرك المخططات البعيدة المرامي من قبل القوى الصهيونية، وخصوصاً التي قامت بتأليف ونشر فيلم مسيء للرسول الكريم». وكان عشرات الآلاف من اليمنيين الغاضبين توجهوا صباح أمس إلى مبنى السفارة الأميركية في حي مدينة سعوان (حي الشيراتون) شرق العاصمة، وتبادل بعضهم عبارات حادة مع قوة الأمن المولجة حراسته، قبل أن يقتحم مئات منهم البوابة الأمامية وسط تمنع رجال الأمن عن إطلاق النار خشية سقوط ضحايا، ثم تنحيهم جانباً. وأحرق المقتحمون عدداً من سيارات السفارة وأتلفوا ممتلكات ونهبوا أخرى، لكن تعزيزات من قوات مكافحة الشغب وصلت سريعاً واشتبكت مع المتظاهرين خارج المبنى وداخله مستخدمة الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، وتمكنت من إخراجهم وإبعادهم عن السفارة. وأكد شهود ل «الحياة» أن المحتجين اقتلعوا بعض أجهزة المراقبة الإلكترونية وحطموا النوافذ الأمامية للمبنى بالحجارة. وأشاروا إلى أن الاشتباكات بين قوات مكافحة الشغب والمتظاهرين استمرت نحو ساعتين وشهدت عمليات كر وفر، وأن رجال الأمن بدأوا إطلاق النار بغزارة في الهواء، ثم في اتجاه راشقي الحجارة، ما أدى إلى مقتل شخص وجرح العشرات. كذلك اعتقلت قوات الأمن عشرات المتظاهرين ومعظمهم من الفتيان. وقالت مصادر أمنية ل «الحياة» إن أياً من الديبلوماسيين الأميركيين لم يصب بأذى، وإن هؤلاء تحصنوا داخل المبنى، مشددة على انه لم يحصل إطلاق رصاص على المتظاهرين من داخل مبنى السفارة الذي توجد فيه عناصر حراسة أميركية. وقالت مصادر ديبلوماسية غربية في صنعاء إن «السفير الأميركي جيرالد فيرستاين لم يكن موجوداً في مبنى السفارة، وإن معظم الموظفين الأميركيين غادروها، ويقيمون في أحد الفنادق في صنعاء وسط حماية مشددة». وأدرج الرئيس اليمني مهاجمة السفارة في إطار مخططات تهدف إلى الإضرار بالعلاقة مع الولاياتالمتحدة، وقال في بيان رئاسي نشرته «وكالة الأنباء اليمنية» إن هذه «الجماعات الغوغائية التي هاجمت السفارة استغلت عدم وجود الاستعدادات الأمنية اللازمة، نتيجة الانقسامات في صفوف قوات الأمن جراء الأزمة السياسية التي اندلعت مطلع العام الماضي». وحذر الرئيس هادي من أن «هذه الاعتداءات ستنعكس سلباً على العلاقات الطيبة بين اليمن وشعب الولاياتالمتحدة الأميركية، وذلك لما تريده المخططات المعادية للسلام والوئام، والتي تعمل دوماً على خلق الفجوات والمشاكل بين الشعوب»، معبراً عن اعتذاره الشخصي للرئيس أوباما ولشعب الولاياتالمتحدة، ومؤكداً أنه «يتابع الوضع عن كثب». وذكرت الوكالة أن الرئيس «وجه بتشكيل لجنة لتحديد ملابسات ما حدث والعمل على المعاقبة الرادعة للمسيئين والمتسببين في ذلك». وعبرت حكومة «الوفاق الوطني» عن «أسفها ورفضها الشديد» للاعتداء على السفارة الأميركية، وقال بيان صدر عنها «إنه في الوقت الذي ينبغي عدم تحميل الحكومة الأميركية المسؤولية عن هذا الفيلم المسيء للرسول الكريم، فإنه بالمقابل على واشنطن اتخاذ إجراءات ضد منتجي الفيلم، في إطار القوانين والمواثيق الوطنية والدولية التي تجرم الأفعال التي من شأنها إثارة الفتن على أساس العرق أو اللون أو الدين»، في حين قالت وزارة الداخلية إن الوزير اللواء عبد القادر قحطان توجه إلى مقر السفارة «للإشراف على الخطة الأمنية الخاصة بالدفاع عنها وإخراج المتظاهرين والمهاجمين». وأصدرت «لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار» المنبثقة من المبادرة الخليجية الخاصة بتسوية الأزمة اليمنية، بياناً استنكرت فيه الاعتداء على السفارة وقالت إن «أي اعتداء على مؤسسات الدولة والسفارات والقنصليات والقطاعين العام والخاص إنما يندرج ضمن الأعمال الإرهابية التخريبية المدانة»، مؤكدة أن «لدى قوات حماية السفارة تعليمات صريحة بالتعامل الصارم مع أي شكل من أشكال العنف والتدمير والتخريب». وكانت جماعة «الحوثيين» الشيعية دعت امس إلى تظاهرة احتجاجية الجمعة للمطالبة بطرد السفير الأميركي، بينما دعا رجل الدين البارز الشيخ عبد المجيد الزنداني، رئيس «جامعة الإيمان» الذي تتهمه واشنطن بدعم الإرهاب، إلى «يوم غضب من أجل الدفاع عن الرسول الكريم». وردت القوى الأمنية بإغلاق كل الشوارع المؤدية إلى السفارة الأميركية وعززت انتشارها بعربات مصفحة ووحدات من قوات التدخل السريع تحسباً لحصول تصعيد اليوم.