ليس سهلاً على من يحب ان يجدّد في عالم «الفضاء» العربي – وربما غير العربي ايضاً – ان يعثر حقاً على جديد لم يسبقه اليه احد في ميدانه... ففي عالم تعدّ فيه القنوات بالمئات، وتدار شؤونه في شكل بيروقراطيّ غالباً، وتحرص كل قناة على ان ترضي قطاعات عريضة من جمهور تعرفه محافظاً وليس من السهل اقناعه بتقبّل اي جديد، تبدو المهمة مستحيلة. قد يحدث مرة ان يبتكر شخص ما في لحظة مناسبة فكرة جديدة، غير انه سرعان ما سيجد، إن نجح، عشرات يقلدونه، فتنتفي الجدّة وتصبح الفكرة المبتكرة تكراراً مبتذلاً. ولا شك في ان كلّ من يحاول من اهل هذا العالم الإعلامي، ان يجد لنفسه ولأفكاره التجديدية موطئ قدم، سيجد نفسه امام «المهمة المستحيلة». وهكذا يحلّ بعضهم المشكلة بتجديد شكلي، وآخرون بشراء أفكار من الخارج... وما الى ذلك، لتمضي الأمور على هذه الشاكلة: تكرار وشكوى وبلادة... وفي النهاية تحوّل الإعلام الفضائي الى قاعدة جديدة ومتجددة للسكون غير الخلاق، إن لم يكن التمادي في الركاكة والابتذال. والحال ان هذا ما يخطر في بال المرء ليوقعه في اليأس حتى اللحظة التي لن ينقذه فيها ندم، ذلك اليأس ان يجد نفسه بلا مقدمات امام عمل جديد مبتكر، يلوح اول الأمر على شكل مغامرة او مجازفة، غير ان استجابة ما من الجمهور تجعله يؤمن بأن الأمور ليست بالسوء الذي كان يعتقده. وهذا ما يحدث الآن خلال ربع ساعة من الزمن تلي نشرة الأخبار المسائية على شاشة «المستقبل» اللبنانية. وهي ربع ساعة يحتلها الإعلامي نديم قطيش متفرداً... ليحكي السياسة وهمومها بلغة لم يسبقه اليها احد عندنا على الأقل. لغة مبتكرة بسيطة عميقة متهكمة متألمة، همّها الأساس ان تصل الى الناس لتفتح معهم نقاشاً ذكياً حول ما يهمهم من السياسة. وكنا اشرنا الى هذا التجديد «القطيشي» حين كان لا يزال مجرّد فقرة قصيرة تجريبية ضمن برنامجه اليومي «ستديو 24» وأشرنا الى طرافته وعمقه. لكننا يومها لم نكن نعرف ما يخبئه قطيش لمرحلة ما بعد رمضان. اليوم صرنا نعرف... وبات في امكاننا ان نستمتع حقاً مثنين على إبداله برنامجه السابق الذي كان استنفد أغراضه وضيوفه وصبر متفرجيه، بهذه الفقرة التي بدت وكأنها تنفخ هواء ربيعياً، ولا سيما ان صاحب البرنامج بنظارتيه ولحيته الخفيفة ثم خصوصاً بطريقة حكيه «الشعبية» باللهجة المحلية – التي تبدو هنا مستساغة وجميلة أكثر من ايّ وقت مضى – يبدو اشبه بحكواتية المقاهي الشعبية القديمة الذين لم يكونوا يقدمون انفسهم الى جمهورهم كمعلّمين نخبويين بل كأصدقاء مداومين. مع هذا التجديد المستحبّ الذي ادخله نديم قطيش على أدائه الإعلامي/السياسي، يمكن القول انه لا تزال هناك بارقات امل في ان يعرف الإعلاميون كيف يجددون وكيف – بالتالي – يتفادون رتابة نعرف ويعرفون انها قاتلة مهما اعتادها الجمهور!