تتوقف بُشرى ولادة المولود عندما يقتطعها نبأ وفاته، لتتحول حينها الفرحة المنتظرة منذ تسعة أشهر إلى حزن ممزوج بإيمان بالقضاء والقدر، يصاحبه تساؤل عن الأسباب التي أدت إلى الوفاة. في حائل، بدا هذا الأمر ظاهراً خلال هذا العام، فخروج مواليد من أرحام أمهاتهن إلى ثلاجة الموتى داخل مستشفى واحد يثير تساؤلاً عريضاً، إذ إن مستشفى النساء والولادة في حائل ظل منذ خمسة أشهر يسجّل الوفاة تلو الأخرى، بإجمالي جاوز 200 مولود حتى الأسبوع الماضي، الأمر الذي دفع عدد من الأهالي إلى مطالبة المديرية العامة للشؤون الصحيّة في المنطقة بفتح تحقيق عاجل حول أسباب ارتفاع وفيات المواليد. «الشؤون الصحية» بدورها، كانت قد كشفت مسبقاً عن 151 حالة وفاة حدثت خلال ثلاثة أشهر فقط في مستشفى النساء والولادة بمدينة حائل، فيها أظهر إحصاء سابق أن 83 حالة إجهاض حدثت في المستشفى، فيما توفي 31 جنيناً قبل الولادة، وأن 15 وفاة حصلت أثناء الولادة، فيما توفي 22 طفلاً بعد الولادة، منوّهة بأن 75 في المئة من الوفيات تعتبر خارج نطاق التدخل الطبي، وهي حالات الإجهاض وحالات الوفاة في الرحم، في حين أن 25 في المئة من الوفيات هي لحالات مرضية أو عيوب خلقية، في الوقت الذي كشف فيه مصدر مطلع في «الشؤون الصحية» أن الشهرين الماضيين شهدا أكثر من 50 حالة وفاة مولود في المستشفى ذاته. المستشفى السر.. بات محاطاً باتهامات متنوّعة، تأتي أبرزها تهمة الإهمال الطبي. خالد المنور اعتبر أن سبب وفاة ابنة شقيقه تردّد وتأخر الأطباء في اتخاذ القرار بإجراء عملية قيصرية لأمها بعد تعسّر الولادة، مشيراً إلى أنه تم تنويم زوجة شقيقه منذ ليلة دخولها لقسم الطوارئ، وأُبلغا بأن الجنين والزوجة بصحة جيدة، وأنها ستبقى في القسم حتى حضور الاستشاري صباح اليوم التالي. وأضاف: «الطبيبة أخبرت الزوجة في اليوم التالي أن مساحة الرحم ضئيلة، وأنه يجب إجراء عملية قيصرية لها، فأمر الاستشاري بتحويلها إلى المكان المخصص للولادة الذي ظلت تنتظر فيه لأكثر من ثلاث ساعات، قبل أن يتم نقلها لقسم الحوامل، من دون متابعة مما تسبب بانخفاض نبض الجنين حتى فارق الحياة داخل الرحم». وأوضحت والدة أحد المواليد المتوفين أخيراً (تحتفظ «الحياة» باسمها) أنها كانت تعاني الآلام قبل موعد الولادة، وراجعت قسم الطوارئ في مستشفى الولادة وأُجريت لها أشعة، لافتة إلى أنه تم إخبارها بأن صحة الجنين جيدة وأنه في وضع طبيعي. وقالت: «بعد أربعة أيام عاودتني الآلام، فراجعت المستشفى مرة أخرى، وبعد إجراء الفحوص، تبيّن أن الجنين قد فارق الحياة، وعلى الفور تم تنويمي واستخراج الجنين المتوفى»، مطالبة «صحة حائل» بوضع حد لمعاناة السيدات الحوامل مع الأخطاء الطبية المتزايدة في المستشفى، وإجراء تقويم فعلي لأطباء المستشفى كافة، للتأكد من تأهيلهم المهني. وطالب فهد الحربي «صحة حائل» بسرعة فتح تحقيق حول حوادث وفيات المواليد بالمستشفى، ومراجعة سجلات أطباء وطبيبات المستشفى والتأكد من كفاءاتهم الطبية، مؤكداً على ضرورة الشفافية والكشف عن التقارير الطبية لكل مولود توفي لكشف ظروف وملابسات الوفاة وتحديد المسؤول عنها. (موظف في المستشفى يقرّ بضعف المستوى الطبي) عزا أحد العاملين في مستشفى النساء والولادة في حائل (طلب عدم الكشف عن اسمه) أسباب ارتفاع وفيات المواليد في المستشفى إلى الإجهاض أو الإصابة بالأمراض وغيرهما، معترفاً بارتفاع نسبة وفيات المواليد في المستشفى لأكثر من 10 في المئة، وارتفاع نسبة العمليات القيصرية لأكثر من 40 في المئة إلى جانب وجود أخطاء طبية خطرة. وقال: «المستشفى غير نظيف، وضعيف التهوية، وأدوات التعقيم غير مهيأة بشكل كامل، ما يؤدي إلى إصابة بعض السيدات بالتلوّث، وقد شهد في وقت سابق وفاة سيدة بسبب جرعة خاطئة وصفها أحد الأطباء في المستشفى أثناء إجرائه عملية قيصرية لها، كما شهد خطأ آخر، من خلال قيام أحد الأطباء بإحداث جرح عميق في منطقة المثانة لسيدة حامل في الأشهر الأولى وتعرضت للإجهاض، وتم تحويلها آنذاك إلى مستشفى آخر، وهي في حال صحية حرجة، كما قام أحد الأطباء بإجراء عملية جراحة لسيدة حامل لفتح منطقة الرحم، لكنه تسبب بقطع أذن المولود، وجرح رحم والدته». وحاولت «الحياة» الحصول على تعليق المتحدث الإعلامي ل«صحة حائل» ماجد المعيلي عن الموضوع، إلا أنه اعتذر عن الإدلاء بأي تصريح، مؤكداً أنه سيصدر اليوم بياناً لوسائل الإعلام كافة، يوضح من خلاله موقف وتبريرات صحة المنطقة تجاه موضوع ارتفاع وفيات المواليد في مستشفى الولادة ومستشفيات المنطقة كافة. يذكر أن المستشفى شهد في حزيران (يونيو) الماضي حادثة تبديل مواليد قامت بها إحدى الممرضات، حينما استبدلت مولوداً ذكراً بأنثى، وتم اكتشاف الخطأ بعد مرور ثلاث ساعات من وقوعه.