من خلال رصد جدل الشارع المصري وحركته الثقافية، يتبين أن التحليلات المتعلقة بحركة التصحيح المهمة التي نفّذها رئيس الجمهورية لم تأخذ مداها المطلوب، ودخلت صراعاً جديداً حول هيمنة الإخوان من عدمها، رغم أن الموقف المركزي للثورة كان يعتمد هذا الهدف الذي حققه محمد مرسي كإجماع وطني وثوري ودستوري. ومن هنا فإن ليلة الخامس والعشرين من رمضان تعتبر تاريخية في سجّل بناء الجمهورية الثانية لمصر، وانتقالها كمركزية قوية لتحقيق أكبر خطوات دمج مصالح مصر القومية بمبادئ الثورة على طريق المؤسّسات، كما جرى في قرارات مرسي المنتخب من الشعب ومن الثورة معاً والقائد الفعلي والدستوري لكل مؤسسات مصر وقواتها المسلحة. ومع أنّ الخطوة أُنجزت في وقت قياسي مذهل إلاّ أنّها كانت تستدعي هذا الحسم لأجل مصر الدولة والشعب والحق الدستوري الذي ضحّت لأجله ثورة 25 يناير. وكان لافتاً للجميع حجم الارتياح الذي طغى على العديد من الشخصيات المترددة أو الميّالة إلى العهد القديم بعد اتخاذ مرسي قرارات دمج قيادة القوات المسلحة في مؤسسة الدولة وقوتها القومية. هذا الارتياح صدر من قيادات سياسية سابقة وقيادات عسكرية ومحللين استراتيجيين مصريين اختلفوا مع مرسي المرشح لكنهم اتفقوا مع خطوته المركزية، لماذا؟ إنّ هذا البعد التوحيدي والتكريس الدستوري المعزّز بالحريات الديموقراطية، والنجاح في تحقيقه بعمق وطني واعتباري، والاحترام الفائق للمؤسسة العسكرية، كانت رسالة تُطمئن كل من له بعد وطني أو قلق على مستقبل مصر. ولذلك من انعزل عن التأييد أو الطمأنينة هو بعض القوى والشخصيات ذات الرهان القديم على إحياء جمهورية الفساد المصلحي، لا الأمن القومي أو العمق التقدمي المصري، إضافةً إلى أصحاب نزعات الصراع الشخصي مع مرسي مهما كانت قراراته في مصلحة مصر الجمهورية الجديدة القوية، كما عبّر عن ذلك منافسه حمدين صباحي في أكثر من مناسبة. ولقد تحققت هذه الخطوة في ضوء تطور نوعي سوف نرسم مشهده الأخير لنعرف كيف بادر الرئيس باقتحام قرار التحدي في أصعب الأوقات وحوّله إلى نصر لمصر وثورتها ومؤسساتها وجيشها، مع تقديرنا أن المهمة لا تزال صعبة لتحقيق كل مبادئ الثورة مع وجود جيش من قوى الفساد المصلحية يسعى لتفجير الأمور أمام الرئيس حتى ولو كان الضحية مصر وجيشها الوطني. إلا أنّ مرسي وضع البلاد الآن على سكة البناء المنهجي الواضح الذي بات يأخذ أبعاداً متجانسة على كل مسارات الرئيس ويلتقي ومواقف القوى الوطنية وطموحها الدستوري والقاعدة الشعبية للشارع المصري الذي يهمه الاستقرار والحقوق معاً. وكانت رسالة الرئيس القوي إيجابية جداً باستشعاره دعم الشعب والتي تجسدت بإطلاق المعتقلين في المحاكم العسكرية وتعزيز الحريات وقيادته عمليات الدرع الأمنية لسيناء بنفسه وبزيارات ميدانية لموقع التماس مباشرة. من خلال الرصد العميق وربط كل زوايا الصورة، كان واضحاً أنّ عملية سيناء رُتّبت عبر اختراق مجندي القاعدة الذين نفذوا العملية الإرهابية ضد الجند الصائمين أو من خلال استغلالها المباشر المُعّد له لوجستياً وإعلامياً بقوة ضد الرئيس من قوى المصالح الممتدة للنظام المخلوع والذين ثبت وجود حلفاء لهم في القيادات العسكرية وليس المجلس العسكري بصورة كاملة، فضلاً عن مشروع إرباك القوات المسلحة التي أراد هذا التحالف الخطير زجها فيه وتوريطها بضرب خيارات الثورة والدستور والأمن القومي عبر إشعال فتنة بين الرئيس والقوات المسلحة. فالمؤشر اتضح منذ الساعات الأولى للعملية التي كان ميدانها في سيناء لسنوات تحت القيادات الأمنية التي أقالها الرئيس في المخابرات العسكرية والقطاعات الأخرى والتي تحمل علاقات تواصل مباشر مع إسرائيل، ومع ذلك وُجه الأمر إلى مسؤولية مرسي الذي لم يتسلم الحكم إلا منذ أسابيع قليلة. وبعد الحادثة وتصريح بعض هذه القيادات التي غمزت من قناة الرئاسة، انطلقت حملة إعلامية مجنونة هدّدت الأمن القومي المصري فقط لخنق الرئيس، ثم تلاها إبلاغ قائد الحرس الجمهوري الرئيس مرسي بعدم قدرته على ضمان أمن الرئيس في تشييع شهداء الجيش المصري، مع أن هذه من مسؤولياته الأولى وواجبه الوطني. أعقب ذلك تنظيم منسق للهجوم على رئيس الوزراء وفوضى في الجنازة ثم اعتداءات منظمة استهدفت رئيس الحكومة المكلف من مرسي وطاقمها تحديداً وأُحيطت بحملة سب وقذف لشخص الرئيس من الإعلام المرتبط بالتحالف، وفي الجنازة من جمهور يُسيّر بطريقة تظاهرات الحزب الوطني المنحل وباللغة البلطجية المعروفة عنه. وكانت كل هذه الممارسات تَعبر أمام الشرطة العسكرية وتستهدف هذه الشريحة دون شرائح أُخرى مما أعطى مؤشراً كبيراً لخطة انقلابية يبدو أن مرسي استبقها وأجهضها. * كاتب سعودي. [email protected] @MohannaAlhubail