الاثنين 27/7/2009: مطاردة المغتربين ليست اسرائيل وحدها من طرد شعباً (أو معظمه) من أرضه، فالهيئات الطاردة هي أيضاً أنظمة استبدادية أو حكّام أيديولوجيون أو أثنية متعصبة لا تعيش مع الآخر. ويشارك الفلسطينيين في منافيهم، خصوصاً البعيدة، لبنانيون دفعتهم تركيا العثمانية ومن بعدها الحروب الأهلية الى الهجرة، وأرمن ويونانيون ومن بعدهم أكراد وايرانيون وأفغان وعراقيون. وأيّاً كانت الأسباب يتساوى هؤلاء في المنافي حيث يسترجعون ذكريات الوطن الأم ويحاولون تشكيل هيئات سياسية أو انسانية لتصويب أحواله، لكن هذا يتحول مع مرور الأيام الى ما يشبه الحنين. وتعمد الأجيال الثانية والثالثة الى مزيد من التكيف في الأوطان الجديدة مندرجة في سياق المهجّنين الذين يتزايد عددهم في أوروبا وأميركا ويحملون أملاً بسلام العالم، مع احتمال مضاد هو أنهم قد ينذرون بدمار هذا العالم. الأمل هو تجاوز المهجّنين حرفية الماضي وأن يروا العالم مجالاً للاختلاط والتنوع لا للنقاء ورسم الحدود بين الجماعات. والنذير هو الارتباط البدائي بالوطن الأم ونقل قضاياه حرفياً الى بلاد الاغتراب وجعلها مسرحاً لصراعات، ما يفقد كل جالية إحساسها بالمواطنة ويحيلها طابوراً خامساً يبعث الشكوك. وفي مجال النذير هذا معاملة اسرائيل ليهود العالم ودعوة أصوات لبنانية قصيرة النظر الى تقليد اسرائيل باستخدام الجاليات اللبنانية في العالم سياسياً بحسب أمر اليوم، ذلك أن السياسة اللبنانية لا تقوم على مبادئ وطنية ثابتة وإنما على مصالح طبقة حاكمة لها ارتباطات تتقاطع مع المصلحة اللبنانية حيناً وتتناقض معها في أغلب الأحيان. حينما انشئت جامعة المغتربين في ستينات القرن العشرين سميت «الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم» وجاء وصف «الثقافية» نتيجة وعي بضرورة الحكمة أثناء تشكيل أي تنظيم للمغتربين، بالتركيز على صلتهم الثقافية بالوطن الأم وليس الصلة السياسية التي قد تسبب ارباكاً لعلاقتهم بأوطانهم الجديدة. استطاعت اسرائيل بضغطها السياسي على يهود العالم أن تجعلهم جاليات غريبة في أوطانها، إن لم تكن مكروهة، ونأمل أن تفشل الطبقة السياسية اللبنانية القصيرة النظر في تخريب علاقة المغتربين اللبنانيين بأوطانهم الجديدة، بذريعة خدمة وطنهم الأم التي هي قناع لخدمة زعماء يمسكون بتلابيب هذا الوطن. الثلثاء 28/7/2009: الصوت الجسدُ بحر والصوتُ موجُهُ. ويتبخر البحر صوتاً. يتخفف صعوداً مثل صلاة لا تصل. والمغنية السيرينا، أسطورة البحر. وهي السوبرانو أيضاً. وحدها تكون، ولا أحد. لا نفرق بين السيرينا والماء. صوتها، صوت الهواء واللحم. قبل أن يوجد القصب وتتسرب فيه الريح... وحكاية أورفيوس. الأربعاء 29/7/2009: أخبار روسيا تخلو شيئاً فشيئاً من يهودها وتعيد التعليم الديني الى المدارس وتتهيأ لتجديد عصر القياصرة حيث «روسيا المقدسة» رائدة العداء للسامية، والسامية لا تعني اليهود وحدهم. وصراع العراقيين على نفطهم يعبرون عنه بالاغتيالات الطائفية الجماعية، ليبقى النفط تحت الأرض في انتظار أجيال تتفق على توزيعه للحياة لا للموت. وفي لبنان تجدد الطبقة السياسية نفسها فتحول مؤسسات الدولة الى ما يشبه مجالس عشائر. هكذا يتساوى مجلس النواب بمجلس الوزراء بهيئة الحوار التي هي مجلس المجالس. واللبنانيون القادرون يسافرون ويعودون مرات عدة في السنة ليتنفسوا ويشعروا بمدنيتهم ويتناسوا واقع أنهم محكومون من مجلس عشائر. واللبنانيون غير القادرين صامتون ولا أحد ينتظر أن يتكلموا أو أن يصيحوا. مع ذلك، هناك روسي يشرب قليلاً ويحب العالم كله، وعراقي يعتبر نفسه واحداً من شعب لا من دين وطائفة، ولبناني ينتظر فرصة لتكريس مجتمع مدني. الخميس 30/7/2009: جورجي آمادو أيضاً صدرت بالتعاون بين منشورات «كلمة» في أبوظبي و «الدار العربية للعلوم» في بيروت، الترجمة العربية لرواية جورجي آمادو «توكايا غراندي – الوجه المظلم». نقل الرواية من لغتها الأم – البرتغالية البرازيلية - عوني الديري، وفي التعريف به أنه من مواليد بلدة شكا – لبنان، عمل استاذاً للأدب والتاريخ في وطنه، وأقام منذ العام 1980 في بغداد مستشاراً اقتصادياً ثم قائماً بأعمال السفارة البرازيلية. وأثناء عمله أنجز ترجمات لأعمال كتّاب برازيليين صدرت في بغداد وتونس والقاهرة. في المقدمة، يتبنى عوني الديري شخص آمادو وأدبه قائلاً: «من هو هذا الذي بلغ سخط الصهيونية عليه ذروته فواجه فكرها بالازدراء واستمر طوداً شامخ الثبات والعلياء في وجه الامتعاض والمكائد؟ وبين ريح الفكر الصهيوني وإعصار الابداع الآمادوي المواجه، طلع العرب في البرازيل، وهم هناك أهل فكر مبرّز، يتحدون هذا وذاك مبينين أن في روحه ذلك الشرق الذي انسلّ اليه عبر عرق ساميّ، وإلاّ فلماذا في رواياته الثلاثين استطاع الشاعر جورج مدور أن يحصي ستمئة شخصية عربية راح يحلل فيها ويبين خصائصها ليخرج بالصفعة الفكرية الحادة التي جوبه بها الفكر الصهيوني؟ انه جورجي آمادو المولود في عام 1912 في البرازيل (توفي فيها عام 2001)، وآمادو تعني «الحبيب»، وكم من العائلات العربية التي أقامت في البرازيل والتي ترجمت ألقابها الى لغة البلاد، حيث استوطنت، فغدا لقب «الحبيب» آمادو، ولقب «غنمة» كارنيرو، ولقب «نجار» كاربنتيرو، وقس على ذلك... وسواء تدفق في عروقه الدم العربي أم لم يتدفق، فإن دم الأديب واحد في هذا العالم هو دم الانسان». لا ندري علاقة مثل هذا الكلام بتقديم ترجمة رواية لآمادو، خصوصاً أن الشخصيات العربية منتشرة في معظم روايات أميركا الوسطى والجنوبية. وفي مجال آخر لا يعطي الديري معلومات عما سماه صراعاً بين آمادو والفكر الصهيوني، كما يبدو غير واثق من أصول آمادو العربية. لكن الديري يستمر في «تسييس» مقدمته فينتقد من دون أن يسمي «دور النشر ذات الاستراتيجيات الفكرية الايديولوجية (التي) توهمت أنها في ترجمتها عن غير اللغة التي كتب بها، سيجعلها تضيف مأثرة الى مآثر منشوراتها، اعتقاداً منها بأن جورجي آمادو يساري اشتراكي، وبهذا فإن هذه الدور ارتكبت خطأين متعادلين حجماً، هما خطأ الاساءة الى آمادو حيث يمكن الاعتقاد بأن هذه الترجمات السطحية تكاد تمت بصلة الى أدب هذا العملاق، والخطأ الثاني هو اعتقادها أن اسم جورجي آمادو قد يخدم استراتيجيتها الايديولوجية». هنا يبدو عوني الديري متعجلاً فإن نشر ترجمات لبعض روايات آمادو لا يعني بالضرورة أنها تندرج في سياق نشرات حزبية، لأنها أعمال أدبية في جميع المعايير، أما اطلاقه صفتي «السطحية» والنقل عن غير اللغة الأصلية، ففيه ظلم للروائي والقاص والمترجم اللبناني عوض شعبان الذي نقل روايات لآمادو عن البرتغالية – البرازيلية مباشرة بأمانة وبأسلوب مشرق، ولا نرى ضرورياً القول إن عوض شعبان ليس شيوعياً، بل نشير الى أن روايته الأولى «الآفاق البعيدة» التي صدرت عن دار النهار للنشر في بيروت، تضمنت أجواء اقامته في البرازيل التي ناهزت اثني عشر عاماً. لو أن عوني الديري اختصر المقدمة ولم يسيّسها لسهّل على القارئ الدخول الى عالم جورجي آمادو في الرواية، ومن دون دليل يصادره.