نظرة فابتسامة فلقاء. اتفاق فخطبة فخلاف. غرام فوعود فاتفاق من جديد... لكن هذه المرة على نجف وسجاد وشقة ثلاث غرف وحمامين ومطبخ... تعجيز! ثم مطالبة بجانب من المهر وتقليص مؤخر الصداق وبيع كل الشبكة فنزاع بين العائلتين فتهدئة من الحبيبين فكلمة من هنا وأخرى من هناك ف «كل شيء نصيب» وقدر الله وما شاء فعل! وقد قدر الله أن توشك دينا على دخول القفص الذهبي موجهة الدعوة فايسبوكياً الى كل الأهل والأصدقاء في يوم 18 آب (أغسطس) الماضي. وفي 17 منه وبدلاً من أن تفتح الكومبيوتر لتحصي العدد الذي أكد حضور الحفل، انطلقت لتكتب بضع كلمات وسط دموع الألم وآهات الفراق. «مناسبة دينا وأيمن ألغيت». هكذا أعلن فايسبوك. لكن ما لم يعلنه أن والدة أيمن أقامت الدنيا ولم تقعدها حين رأت المطبخ الذي جهزه والد العروس، ووجدته دون المستوى. لم يكن الخشب «أرو»، واكتشفت أن المقابض محلية الصنع وليست ألمانية كما كان متفقاً عليه، فخيرت ابنها بين دينا ومطبخها، وأمه ورضاها عليه، فكان أن اختار الأخيرة! اختيار عريس «دينا» للأم بسبب فضيحة المطبخ لم يأت للدلالة فقط على أنه «غبن أمه» و «دلوعها» وكل ما يقال تحت بند الرجل الخاضع لسيطرة الأم، ولكنه أتى ليدلل على افتقاد قطاع عريض جداً من الشباب للاستقلالية المادية. فمن دون التمويل اللازم، لم يكن له أن يتقدم لطلب يد دينا التي تشترط أسرتها، شأنه شأن غالبية الأسر المصرية قائمة طويلة من المنفرات المادية من مهر وشقة وسيارة وشبكة... الكفيلة بإبعاد أي شاب! أما كارثة شبكة إيمان فأيقظت الأهل والأصدقاء من غفلتهم! نشير هنا إلى غفلة الثقة العمياء في نوعية الشبكة، ولا نتحدث عن غفلة تعجيز الشباب وإثقال كواهلهم بطلبات مادية تنوء موازنات الأمم عن حملها بحجة تأمين مستقبل البنت وضمان حقها في حال اتضح أن العريس خائن أو غدار أو «بتاع ستات». والدة إيمان أقنعت أهل العريس بأنها ستأخذ الشبكة لتستعرضها أمام أخواتها وبنات أخواتها وجاراتها وصديقاتها، لأن موعد الخطبة تزامن وعيد الفطر وسفر الكثيرات منهن في إجازات ومن ثم عدم تمكنهن من حضور الحفل. وانطلقت بها إلى الصائغ صديق الأسرة ليعيد تقويم الشبكة الذهبية المرصعة بالألماس حتى تتأكد من أن قيمتها 30 ألف جنيه بالتمام والكمال. ضرب الصائغ المخضرم كفاً على كف بعد أن تفحص الكنز المتلألئ، وقال لوالدة العروس: «أعيديها للعريس وأبلغيه أن الشبكة من الذهب الصيني وقيمتها لا تتجاوز الألف جنيه». وعلى رغم كل التأكيدات والقسم الذي كرره العريس ومخاوفه من أن يكون هو نفسه تعرض للنصب فيما لو صح أن الذهب صيني، ودفاع والدته بأن الصائغ الذي كشف عليها من الهواة ولا يفقه شيئاً في الذهب والماس، إلا أن الأب الطاعن في السن نطق بالحق إذ قال بهدوء: «طيب وإيه يعني؟ كل البنات تتزوج بشبكات صيني هذه الأيام، ما المشكلة؟». مشاكل الخطوبة التي تؤدي إلى فسخها مختلفة ومتنوعة، ومنها ما هو كلاسيكي وقديم مثل المطالب المادية التعجيزية التي باتت سمة الطرفين، فمثلما يغالي أهل العروس في قائمة الشبكة والمهر والشقة، يرد أهل العريس بالمبالغة في نوعية الأثاث المطلوب وبذخ حفلة الخطبة (التي هي من اختصاصات أهل العروس)، ومنها ما هو مواكب لروح العصر مثل النصب والاحتيال في نوعية الشبكة وغلبة الذهب الصيني، ومنها ما يعكس «أسلمة» الدولة المصرية والاتجاه الحثيث نحو التدين المظهري المنزوع المضمون. فنهى وعمرو مثلاً ألغيا زفافهما قبل يومين فقط من الموعد بعدما تكبدت الأسرتان عناء الوفاء بالوعود، من شقة ثلاث غرف وصالة، وغسالة أتوماتيكية، وسجاد فاره وأثاث كلاسيكي وغرفة نوم من إيطاليا كلفت والد العروس نصف تعويض نهاية الخدمة. لكن تصميم عمرو على موقفه في أن يكون الفرح إسلامياً جعل خطيبته تتهمه بالتزمت والمغالاة. فالشاب أصر على أن بداية حياته مع زوجته يجب أن تكون بما يرضي الله، وهو قرر ان الاختلاط والغناء والرقص كلها مخالفة للشرع. أما نهى فرأت ان الفرح ليس مجالاً لإثارة الشهوات أو الإتيان بسلوكيات خاطئة، لأن المدعوين أهل وأصدقاء وأقارب، كما أن الموسيقى ليست حراماً. ويبدو أن الاختلاف بين العروسين كان جوهرياً لكنه ظهر في تفصيل كهذا. فهو وجد أن انفتاحها الزائد غير مناسب لتدينه وطبيعته المحافظة، وهي رأت أنها لن تتحمل تشدده فانفصلا بهدوء وآثرا السلامة.