أمام مسجد الفتح في ميدان رمسيس في قلب القاهرة، اصطفت عشرات الأسر في انتظار مقابلة مسؤول النشاط الخيري للمسجد التابع للتيار السلفي، وهو أحد أشهر مساجد مصر، بعدما وسّع نشاطاته الاجتماعية لتشمل تلقين الطلبة دروساً في كل المواد الدراسية بالمجان وتوزيع ملابس على الفقراء فضلاً عن إقامة موائد للإفطار في شهر رمضان للمارة والمحتاجين ودفع رواتب شهرية لعدد من الأسر المعوزة. وقال الموظف الحكومي محمد حسن (42 عاماً) لدى دخوله ساحة المسجد لتدوين أسماء ابنيه وابنته في قائمة الطلاب الذين يتلقون دروساً مجانية: «عرفت من أحد أصدقائي أن المسجد يتكفل بتوفير معلمين لأبناء الفقراء، وهم على درجة عالية من التدين والعلم، فقررت أن أُلحق أبنائي بهذه الدروس». وقال إن نفقات الدروس الخاصة مرتفعة جداً وإنه لا يستطيع توفيرها من راتبه الضئيل، كما أن «التعليم في المدارس الحكومية متدهور جداً». وأضاف: «لماذا لا أستفيد من هذا النشاط الخيري الذي يُقدَّم على مستوى عال (...) هؤلاء مضمونون، يُلقنون أبناءنا العلم والدين في آن... آمَنُ على أبنائي في المسجد أكثر من مجمعات الدروس الخاصة، فما بالك بأنها مجانية». عشرات الأسر حالها حال حسن، الذي يكابد من أجل توفير لقمة العيش في بلد تزيد فيه معدلات التضخم كل شهر، فيما الرواتب ثابتة والدخول ربما تقل لعدد كبير من الأسر، ومن هنا تبرز أهمية النشاط الخيري الذي برع فيه التيار الإسلامي عموماً وجماعة «الإخوان المسلمين» خصوصاً، التي تفوقت على ما عداها من منافسين سياسيين في تقديم الخدمات الاجتماعية للفقراء، إذ تنشط الجماعة خصوصاً في مواسم الانتخابات في توزيع العطايا على الفقراء، خصوصاً في القرى والنجوع الأشد فقراً من المدن، ما يؤمن لها أصوات غالبية أهاليها. وبعد «»ثورة 25 يناير» استغل السلفيون هامش الحرية الذي مُنِحوه لمقارعة «الإخوان» في ساحتهم، فكثفت المساجد الكبرى التابعة للتيار السلفي نشاطاتها الخيرية، كما أُنشئت مئات الجمعيات الخيرية التي تقدِّم مساعدات الى الفقراء يُشرف عليها شيوخ سلفيون، ما أكسبهم مزيداً من الشعبية. وأخيرا انتبهت القوى الشبابية إلى هذا المجال وتأثيره على المواطنين، لجهة انحيازهم الى التيارات التي تهتم بمشاكلهم، فاقتحموا ساحة العمل الخيري بنشاطات بسيطة يأملون في توسيعها مستقبلاً. واستحدثت حركة شباب «6 أبريل»، أهم حركة شبابية في مصر، أخيراً لجنة «تنمية وخدمة المجتمع»، التي قال المتحدث باسمها محمود عفيفي ل «الحياة»، إن هدفها حل بعض المشاكل المجتمعية وليس مجرد تقديم عطايا للناس، مشيراً إلى أن اللجنة تدعم المشاريع التي ترى أنها تخدم المجتمع، كما تقدم بعض المساعادات الى الفقراء، مثل حملة «كساء» التي أطلقتها أخيراً، لكن التركيز سيكون على المشاريع التنموية، لأننا نريد «تعليم الناس الصيد وليس مجرد منحهم سمكة». وإن كانت التيارات الإسلامية لا تجد مشقة في توفير التمويل اللازم لنشاطاتها الخيرية بفعل اختيار أثرياء دفْعَ الزكاة إلى هذه الجمعيات، فإن التمويل يعوق توسيع نشاطات التيارات الشبابية. وقال عفيفي: «التمويل مشكلة كبرى، ونعاني فقراً في الموارد يحول دون تنفيذ طموحاتنا... لا نسعى الى منافسة التيار الإسلامي في هذا الشأن، لكن نريد أن نثبت أن هناك شيئاً إيجابياً يحدث، وأن شباب الثورة ليسوا منظِّمي تظاهرات فقط بل مواطنون يشاركون الشعب همومه ويسعون الى حل مشاكله، ولمسنا تجاوب البسطاء مع مجهودنا». وشدد على أن الحركة لم تتبن هذا النشاط من أجل جذب أنصار لتيارها السياسي. وقال: «أعتقد أن التيار الديني يستخدم جزءاً كبيراً من نشاطه الاجتماعي سياسياً، لكن نحن لا نخوض انتخابات أصلاً ولا نستغل هذا الأمر سياسياً، ونتمنى أن تشارك كل القوى والتيارات المدنية في النشاط الاجتماعي، ليس من منطلق المنافسة لكن على قاعدة التكامل، ولا نرغب في تحول هذه النشاطات الإنسانية وسيلةً للاستغلال السياسي».