أين تذهب أموال الجمعيات الخيرية من صدقات وزكاة، سؤال يتبادر في أذهان الناس، في كل مرة يكتشف فيها تلاعب أو اختلاس يمس أموال المحسنين، وآخرها ما طال جمعية خيرية عطلت توزيع الزكاة وهذا غيض من فيض في سلسلة التلاعب التي طالت هذه الأموال وأسهمت في عدم توزيعها بطريقة عادلة. وهنا نحاول الغوص في خبايا المشكلة رغم صعوبتها، خصوصا وأنها متشعبة وأطرافها عديدة يستحيل الجمع بينها في مساحة محددة. وباعتبار أن مجلس الشورى الجهة التي تتولى متابعة أدوار الجهات الحكومية والتوصية فيما تراه مناسبا في مصلحة الوطن والمواطن، قال رئيس لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية وحقوق الإنسان في مجلس الشورى الشيخ عازب آل مسبل، أن مجلس الشورى ناقش قضية اختلاس الأموال أكثر من مرة عندما تطرح ملفات هيئة الرقابة والتحقيق وديوان الرقابة العامة، مؤكدا على مطالبة المجلس غير مرة بتشديد الرقابة خصوصا في القضايا المالية سواء في الجمعيات الخيرية أو غيرها من دوائر الدولة. واستبعد آل مسبل، مناقشة قضية الاختلاسات في أموال الجمعيات الخيرية في مجلس الشورى في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن المجلس قد يناقش الموضوع إذا دعت الحاجة لذلك، مؤكدا على أن التعدي على مال هذه الجمعيات بأي شكل كان يعتبر تعديا على أموال الناس وأكلها بالباطل وسرقة يستحق مرتكبها أقسى العقوبات، مستبعدا أن يكون هناك تقصير في المراقبة المحاسبية على أموال الجمعيات، فكافة الجمعيات الخيرية في المملكة تعرض قوائمها المالية على مكاتب محاسبية متخصصة وتخضع لنظام صارم في الوقت الحالي. إلى ذلك، أوضح مصدر مسؤول في وزارة الشؤون الإسلامية، وجود توجه جديد لإضفاء الطابع الرسمي على العاملين في الجمعيات الخيرية بعيدا عن المتطوعين وإعفائهم من العمل حتى يتحقق طابع الرسمي لهم، خصوصا وأن وزارة الشؤون الإسلامية سبق وحثت الجمعيات على ذلك حتى تتمكن من تحديد المخطئين في حال حدوث خطأ، وهذا الأمر يسهل أيضا العمل لدى المؤسسات والجمعيات الخيرية، وفي نفس الوقت يساعدهم على إدارة العمل بصورة منظمة وأكثر دقة. وأشار المصدر إلى وجود محاسبين قانونيين كلفتهم الوزارة بمراجعة سجلات المؤسسات والجمعيات الخيرية ورفع تقارير كل ثلاثة أشهر عن تفاصيل سجلاتها المالية بشكل دقيق ومفصل، لمعرفة المصروفات والإيرادات، علاوة على حضور مندوبين من الوزارة في الاجتماعات العمومية لتلك الجمعيات إذا دعت الحاجة الى ذلك. وأوضح المصدر وجود عدة ضوابط تتحكم في عملية تقديم الإعانات والمساعدات ومنها، عملية البحث الاجتماعي عن المحتاجين من قبل أخصائيين اجتماعيين يقومون بإجراء البحث الميداني والتوصية بتقديم المساعدة بعد التأكد من نسبة الاحتياج، وقال إن المساعدات المقدمة من الجمعيات تختلف عن الأخرى بناء على مواردها، فهناك جمعيات صغيرة وجديدة تحتاج إلى الوقت لتنمية مواردها، أما الجمعيات الكبيرة فلديها مواردها سواء أوقاف أو مشاريع تمكنها من تغطية جهودها، وأرجع ضعف جهود الجمعيات الصغيرة إلى قلة مواردها. وأكد المصدر، أن الوزارة تشجع على إنشاء الجمعيات الخيرية وفق ضوابط، حيث تمنح الوزارة ولمرة واحدة إعانة مالية قدرها خمسون ألف ريال عند التأسيس، إضافة إلى إعانات أخرى تمنح للجمعية، منها عينية وطارئة وسنوية عند ممارسة الجمعية نشاطها، علاوة على تزويدها بالمشورة الفنية اللازمة لضمان حسن سير العمل فيها، وأخرى كالأرض لإقامة المنشأة من خلال التنسيق مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، إضافة إلى تزويدها بالسيارات والعمالة، وتخفيض رسوم الكهرباء، وتقديم الإعانات النقدية عند تنفيذ أي برامج تدريب وتأهيل، وإقامة ملتقيات أو ندوات. فيما أوضح مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية، أن الوزارة ستتقدم بمقترحات جديدة متعلقة بالعمل الخيري بعد رصد معلومات وملاحظات من الجهات المحاسبية التي تعاقدت معها الوزارة لتدقيق سجلات حسابات الجمعيات الخيرية، وتشمل المقترحات تعديل بعض لوائح العمل الخيري ولوائح اختيار مجالس الإدارات في الجمعيات الخيرية وفق ضوابط جديدة حيث سيتم تعديل البعض منها وإضافة لوائح جديدة أخرى، كما سيتم إعادة صياغة الطرق المتبعة لدراسة أوضاع الأسر الفقيرة بحيث تكون أكثر دقة، لتتمكن تلك الأسر من أخذ ما تستحقه دون زيادة أو نقصان. وبين الشيخ عبدالمحسن العبيكان المستشار في الديوان الملكي، أن اختلاس الأموال من الجمعيات الخيرية سرقة يستحق مرتكبها أقصى درجات العقوبة وجريمة يجب معاقبة مرتكبها حتى يكون عضة وعبرة لغيره، موضحا أن مثل هذه الأمور تعد حالات فردية ولا تعمم فهناك من العاملين والقائمين على تلك الجمعيات والمؤسسات الخيرية شرفاء، ويخافون الله في أعمالهم، وقال: إن هذه التبرعات التي تجمعها الجمعيات هي في الأساس للفقراء والمحتاجين، ولا ينبغي صرفها لغيرهم أو التلاعب بها، والأخذ منها بغير وجه حق يعد من كبائر الذنوب، مشيرا إلى أهمية توحيد الحسابات ومنع الإيداع في حسابات شخصية تحت أي ظرف من الظروف. وأكد مدير جمعية الإيمان للسرطان في جدة فهد السليمان، أنهم يطبقون نظام الشيكات في صرف جميع المصروفات للمستفيدين في الجمعية والتي يتم تدقيقها من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، من خلال المحاسب القانوني بواقع كل ثلاثة أشهر. وأقر مدير فرع وزارة الشؤون الاجتماعية السابق في منطقة مكةالمكرمة الدكتور علي الحناكي بحودث بعض الإشكالات والمخالفات في داخل الجمعيات الخيرية لكنه في نفس الوقت دافع عن أدائها، مبينا أن وزارة الشؤون الاجتماعية وقعت عقودا مع أفضل مكاتب المحاسبين القانونيين في المملكة للقيام بعمل وتدقيق حسابات الجمعيات الخيرية. التي تدخل من باب الإعانة الفنية للجمعيات بخلاف الإعانة السنوية التي تدفعها الدولة لها والتي تقدر ب300 مليون ريال، مشيرا إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية تطالب مكاتب المحاسبة القانونية في تزويدها بتقارير ربع سنوية عن إيرادات ومصروفات الجمعيات. وشدد على أن الوزارة تضبط مع مكاتب المحاسبة القانونية أية تجاوزات مالية تحصل وإن إمارات المناطق تتابع الجميعات وتراقب أداءها عن كثب، ولم ينف الحناكي وجود بعض التجاوزات من قبل بضع الجمعيات فيما يتعلق بإقامة الحفلات الباذخة التي تصرف فيها مبالغ مالية كبيرة وتكون في الغالب بحسن نية، ما جعل الوزارة توجه ملاحظات لها. وقال رغم الملاحظات المرصودة إلا أنها لاتقارن قياسا بحسن الأداء المالي للجمعيات التي تبلغ في المملكة 575 جمعية، لافتا إلى وجود أخطاء مالية غير مقصودة عند مراجعة حسابات بعض الجمعيات ويتم حلها في حينها، مستشهدا بآخر إحصائية عن حجم الإيرادات التي بغلت ملياري ريال والمصروفات والتي عادلت نفس الرقم وهو ما يدل على أن الأداء المالي للجمعيات الخيرية يسير من حسن إلى أحسن، مبينا أن التجاوزات هي حالات فردية تضبط ويعاد المال في حينها للجمعية. وحول المطالبات العديدة بتطوير العمل الخيري من قبل المهتمين، ترجم الأمين العام لمجلس تطوير وتنسيق الجمعيات الخيرية في منطقة مكةالمكرمة سابقا فهد الغامدي هذا الرأي عمليا بتقديمه دراسة متكاملة عن تطوير عمل الجمعيات الخيرية في المملكة، مبينا وجود قصور في عمل المؤسسات الخيرية رافضا التعميم، وأشار إلى أن مشكلة الجمعيات الخيرية تكمن في عدم وجود استراتجية واضحة للعمل الخيري يشمل شفافية العمل والأداء المالي لها، مستدلا على ذلك بتقديم الأموال أحيانا بدون مستندات رسمية، إضافة لوضع الأموال المجباة في حسابات بعض الأعضاء أحيانا، مما يجعل ظهور تناقضات في الحسابات المالية. وعن دراسته المقدمة أوضح الغامدي، أنه رفعها للجهات المختصة وهي حاليا في مجلس الشورى لدراستها، لافتا إلى أن من أهم جزئيات الدراسة العناية بالرقابة المالية بحيث توضع الأموال تحت رقابة مسؤولة ومعروفة، إضافة لدعم الرقابة الإدارية. ويضيف محمد مرزا عالم مدير جمعية الإحسان والتكافل في مكةالمكرمة قائلا في مكةالمكرمة أكثر من 17 جمعية متخصصة في الإطعام الخيري وتقديم المساعدات الطبية والمواد الغذائية وبناء المساجد ورعاية الأيتام والأرامل وإصلاح ذات البين، وتحويل الأسر الفقيرة إلى أسر منتجة وللوصول إلى أفضل الأهداف في خدمتها يحتاج الأمر إلى عقد للشراكات بين الجمعيات. ويرى رئيس مجلس إدارة جمعية البر في مكةالمكرمة الدكتور طارق صالح جمال ضرورة التنسيق بين الجمعيات لمواجهة حالات التحايل التي يمارسها بعض المحتاجين، وطالب تدخل الجهات المعنية لسرعة تنفيذ المجلس التنسيقي بين الجمعيات الخيرية. أما عضو مجلس إدارة جمعية الإحسان والتكافل في مكةالمكرمة الشيخ يحيى بن عطية الكناني فيرى، من جهته، وضع آليات تساعد في نقل الخبرات الناجحة إلى مناطق المملكة المختلفة. فيما طالب أستاذ الخدمة الاجتماعية في جامعة أم القرى الدكتور محمد القرني بمنظومة من المؤسسات التطوعية وبشراكة فيما بينها لترشيد الصرف وتوحيد الجهد في المجالات المشتركة. وبما أن رجال الأعمال هم الطرف الداعم في عمل الجمعيات قال رجل الأعمال أحمد مسعود نسمع عن بعض التهريب والاختلاسات وهذا يؤكد تقصير القائمين على الجمعية ويفترض على من يستلم الأمانة أن يكون أمينا في تصريفها ووضعها في المكان المناسب. وأضاف أن على الجمعيات الخيرية العمل على تمويل مشروعاتها طوال العام وليس في مواسم محددة لأن الصرف والإعانات للمستحقين يتم بشكل يومي وشهري لذا لابد من جمع التمويل والتبرعات على مدار السنة لكن تكثر التبرعات في شهر رمضان لأن الناس أكثر روحانية وتحسبا للأجر وقد لمس ذلك من خلال عمله في جمعية البر، مشددا على ضرورة أن تكون في كل جمعية إدارة حسابات توزع هذه الأموال، وتودع الأموال التي تأتيها في البنوك على أن يكون الصرف مقننا وليس فيه أي ثغرة لوقوع اختلاس، مع أهمية وجود إدارة وموظفين داخل كل جميعة يحاسبون من قبل إدارة رقابية، وأن يكون العمل في المبيعات منظما ولا يترك للعمل التطوعي، وطالب الشؤون الاجتماعية أن تعرض على كل جمعية محاسبا قانونيا يختار من قبل مجلس إدارة الجمعية، وأن يوجد نظام موحد ومعروف الصلاحيات والمسؤوليات لعمل مجلس الإدارة والموظفين التابعين للجمعية، وأن تتولى الشؤون الاجتماعية أيضا متابعة الجمعيات شهريا كنظام التفتيش حتى تضمن العمل السليم لهذه الجمعيات والنجاح المستمر لها. فيما أشار حمد القاضي أحد القائمين على أعمال توزيع الصدقات في جدة، إلى وجود فجوة كبيرة بين المؤسسات الخيرية وكثير من الأسر الفقيرة، حتى أن بعضهم رغم ظروفه المادية القهرية لا يلجأ إلى الجمعيات إما خشية من سد الباب في وجه أو تعففا عن سؤال الآخرين. وأشار مدير العلاقات العامة في المكتب التعاوني والإرشاد وتوعية الجاليات في المدينةالمنورة عبدالغني القش، إلى أن غياب المعلومات الدقيقة في الجمعيات الخيرية يجعلها تتحفظ عن الإفصاح عن نشاطاتها خصوصا وأن بعض مديري الجمعيات يكون حضوره شرفيا، موضحا أن الجمعيات الخيرية ليس لها دخل ثابت والدعم الذي تتلقاه من وزارة الشؤون الاجتماعية لا يكفي لصيانة مبانيها فضلا عن استئجارها، حتى في ظل ما تتلقاه الجمعيات في الوقت الراهن من دعم إضافي من الوزارة لكنه يبقى دعما دون المأمول، خاصة وأن الجمعيات الخيرية قائمة على التبرعات والهبات غير الثابتة وغير معلومة الوقت. وطالب القش الشؤون الاجتماعية بإيجاد مورد ثابت من خلال الأوقاف لكل جمعية وتفعيل موضوع الأوقاف وجعل ريعها للجمعيات الخيرية وهذا أمر مهم وينهي المعاناة بشكل كامل. من جهته، أشار استاذ علم الاجتماع في جامعة طيبة الدكتور حسن الذبياني، إلى أن غياب العمل المؤسسي قد ساهم في اختلاس الأموال في الجمعيات الخيرية، وقال إن عددا من الدراسات تناولت دور الجمعيات الخيرية وكان أهم النقاط فيها دور الجمعيات في التخلص من الآراء والتحول لعمل مؤسسي لتقييم الإشكاليات والوصول إلى أفضل الحلول، وتقييم البرامج الخيرية القائمة بشكل دوري والتأكد من نجاحها وإيقافها في حال الفشل، والاستفادة بشكل كامل من الدعم الحكومي ودعم القطاع الخاص وتوجيه هذا الدعم توجيها صحيحا للفئات المحتاجة في المناطق النائية والمحافظات، وأن يكون العمل منهجيا ولا يكون على رأي خاص أو شخصي. وذكر الذبياني، أن العمل الخيري تطور في الوقت الحالي عن السبعينات حيث كانت الحكومة توجه جزءا من أعمالها للقطاع الخيري وتتولاه، وأن القطاع الخيري أصبح في جميع أنحاء العالم قطاعا ثالثا بجانب القطاع الحكومي والقطاع الخاص وأصبح يكسب أموالا طائلة وأصبح لهذا المال وزن كبير جدا ويلعب في اقتصاد عدد من الدول. مؤكدا إلى أن تهرب مسؤولي الجمعيات الخيرية عن الإدلاء بمعلومات للمسؤولين الحكوميين أو الصحافة يعود إلى غياب المنهجية الصحيحة، وكذلك غياب المستندات التنظيمية والقانونية، إضافة إلى عدم الأخذ برأي المتخصصين والاعتماد على الآراء الشخصية. وبما أن الدور الرئيسي في إنشاء الجمعيات الخيرية هو مساعدة الأسر الفقيرة والمحتاجة قالت أم خالد التي تعول ستة أيتام إن بعض سكان الأحياء الفقيرة لم تصرف لم الزكاة، ما دفعهم إلى رفع شكوى ضد الجمعية، فيما طالبت أم وليد الجمعيات الخيرية بإعادة النظر فيما تصرفه لهم من مواد غذائية والتي لاتكفي إلا ليوم واحد وأحيانا تكون منتهية الصلاحية، وقالت: أعيل ستة أيتام وحرمت من زكاة العيد، ونحن بأمس الحاجة، واكتفت الجمعيات بمنحنا مواد غذائية لا تكفي إلا لشخص واحد، وكلما ترددت على الجمعية للحصول على مساعدة مالية قالوا تعالي بكرة حتى انتهى الشهر واستلفت من الآخرين من أجل توفير احتياجات أسرتي. وقال مساعد بن سعيد الحارثي، إن عمل الجمعيات الخيرية غير واضح ويفتقر للمساعدة الملموسة تجاه المواطنين المعتازين الذين يرغبون في الاستفادة من الأموال المتدفقة على الجمعيات. وقال الحارثي، إنه تقدم بطلب مساعدة لكن طلبه حول إلى المستودع الخيري في المدينةالمنورة، تلقى عقبها اتصالا من شخص أخبره أنه قادم للاطلاع على حالته ودخل البيت وتجول في أنحائه وكتب عددا من التوصيات واختفى لمدة سنة وأربعة أشهر ولم يراه مرة أخرى، وراجع المستودع الخيري وأخبرهم بقصته إلا أنهم أفادوه بعدم معرفتهم بالرجل الذي زاره. وألمحت حسناء علي زامل، أن دور الجمعيات يجب أن يتسم بالوضوح والصراحة في تناول احتياجات المجتمع، وأن عدم قيام الجمعيات بدورها على أكمل وجه يفقدها الثقة من قبل المحتاجين أو من قبل رجال الأعمال على حد سواء، وإلى أهمية وجود ضوابط تلزم الجمعيات بتقديم المساعدات في وقتها.