أجمع خبراء وباحثون وسكان محليون على أن الأحساء تمثل مجتمع التعايش المثالي بين المذاهب الإسلامية، إذ لا يكاد يلحظ زائرها وجود ذلك التعدد المذهبي من شدة التناغم بين أتباع تلك المذاهب، وانخراطهم في تماسك اجتماعي حميم. ويقول الأهالي إنهم فخورون بأن تكون واحتهم الواقعة على طريق التوابل ومفترق طرق تجارية مثالاً للمجتمع الذي ظل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يدعو إليه، مجتمع لا مكان فيه للتصنيفات المذهبية، والتقسيمات الطائفية والأيديولوجية. وخلص أولئك الخبراء إلى أن نموذج التعايش في الأحساء يصلح نموذجاً لكل مكان في العالم يواجه تحديات التنوع والتعدد المذهبي. وقال الباحث المهندس عبدالله الشايب إن الأحساء توجد فيها ستة مذاهب وخمس مرجعيات. ويتبع سنة الأحساء المذاهب الأربعة المعروفة (الحنبلي والشافعي والحنفي والمالكي)، فيما ينقسم أتباع المذهب الشيعي إلى ستة مراجع، وهم: السيستاني والشيرازي وفضل الله والخامنئي والخوئي وميرزا. ويقول المواطن السعودي علي عبدالله العلي، وهو شيعي: «في كل قرى ومدن الأحساء ستجد الأحياء خليطاً من المذاهب الإسلامية المختلفة، يعيشون باحترام متبادل وعلاقات اجتماعية تفوق الوصف، فالأحسائيون ومنذ زمن بعيد خلقوا مجتمعاً متماسكاً ضد أي تيار مخالف، وزيارة واحدة للمجالس الليلية المختلفة لن تستطيع أن تميز الشيعي من السني، فامتزاجنا أذاب جميع الحواجز والفروقات». ويقول المواطن حسين علي سلمان: «لا وجود لمصطلح السنة والشيعة عندنا، فمثلاً والدتي كانت تدرس القرآن الكريم، وكان يحضر درسها كثيرون، أصبحوا الآن مديري إدارات حكومية ومدرسين ومهندسين وطيارين، ومعظمهم من إخواننا السنة، وكانت والدتي لا تفرّق بينهم أبداً». وفي كتابه «المجتمع الأحسائي المعاصر»، يرى الدكتور أحمد اللويمي أنه «سجل التاريخ المذهبي في الأحساء حضور المذاهب الكبرى للسنة والجماعة، واستمر هذا الحضور في وجوده المتنوع، ولعب دوره الكبير في صناعة ثقافة التعايش والتمازج للمجتمع الأحسائي، فلم يكن التعدد سنياً - شيعياً بقدر ما هو تنوع مذهبي متعدد المشارب». وأكد أن «رموز المذاهب الإسلامية أسهمت في تعضيد مفهوم الأخلاق، وشددت على حتمية التعايش لا من خلال قبول الآخر فحسب، بل التعدي إلى مستوى التمازج الخالق لذلك الموزاييك المذهبي الإسلامي الصحي الجميل». وقال الدكتور اللويمي: «من تلك الخصائص شيوع السلم الاجتماعي بين أتباع المذاهب المتعددة، وسقوط الحواجز النفسية بين أتباع تلك المذاهب وتداخلها حد التزاوج، واشتغال الرموز الدينية بالدوائر الداخلية للمذهب، من خلال التركيز على تهذيب وتشذيب قضاياه المعنية بالتهذيب الأخلاقي والتربوي أكثر بكثير من الفوارق مع المذاهب الأخرى».