عاشت مدينة طرابلس ليلاً هادئاً أول من أمس ونهاراً طبيعياً أمس، بعد مضي أسبوع على جحيم الاشتباكات التي شهدتها بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة، والتي توسعت لتشمل مناطق أخرى. وانصرف الطرابلسيون الى لملمة جراحهم بعد أن سقط أكثر من 14 قتيلاً وأكثر من 100 جريح وتضررت منازل ومحال تجارية عدة، فيما واصل الجيش اللبناني تطبيق إجراءاته الحازمة حيال المسلحين في المناطق كافة، فأوقف بعضهم وصادر كمية من الأسلحة ووسع انتشاره للسيطرة على مصادر القنص التي كانت تتسبب بسقوط وقف النار الذي كان اتفق عليه منذ الخميس الماضي. وعلمت «الحياة» بأن قيادة الجيش عمدت الى تطبيق سياسة التشدد مع خروق وقف النار من المسلحين في طرابلس عبر تقسيم مناطق التوتر الى مربعات تنتشر فيها وحدات الجيش تباعاً بحثاً عن السلاح والمسلحين، وتنفذ مداهمات لمصادرة أسلحة وتوقيف مسلحين. ونُقل عن قائد الجيش العماد جان قهوجي قوله إن الجيش اتبع سياسة حصر المسلحين ومحاصرتهم في المكان الذي يطلقون رصاص القنص منه، بحيث يتم الوصول إليهم للقبض عليهم أو الرد على نيرانهم من دون إلحاق الأذى بالمناطق السكنية التي يتحصنون أو يختبئون فيها، لأن الجيش يريد تجنب أخذ الآمنين بجريرة المخلين بالأمن. وأكد قهوجي لزواره أن الجيش لن ينسحب من مهمته في ضبط الوضع في المدينة. واجتمع قهوجي مع الأمين العام للحزب العربي الديموقراطي رفعت علي عيد الذي يتحصن في منطقة جبل محسن، فعبر عن ثقته بالإجراءات التي اتخذها الجيش. وقال عيد ل «الحياة» إنه ملتزم قرارات العماد قهوجي، وأكد أن «أي جهة سياسية لم تتواصل معنا حتى الآن». وأشار الى أن تسليم سلاح حزبه يحتاج الى طاولة حوار واتفاق طائف، سائلاً: «لماذا لسنا ممثلين على طاولة الحوار ولا في مجلس الوزراء؟، في اشارة الى الطائفة العلوية. وجددت فاعليات المدينة ونوابها ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي دعم الجيش ورفع الغطاء عن المخلين بالأمن. وفيما سيواصل الجيش مداهمة مخازن الأسلحة في المدينة لمصادرتها، خصوصاً أن تجارتها نشطت في الأيام الأخيرة، اجتمع قهوجي مع الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري الذي أكد له وقوف التيار الى جانب الجيش في كل إجراءاته في عاصمة الشمال لأن ليس لديه أي مشروع خاص سوى الدولة وبالتالي لا يقبل بحماية أي مسلح أو مخل بالأمن. وقالت مصادر معنية بالوضع في المدينة إن لا نية لعقد اجتماعات بين فريقي الصراع حالياً، وأنه يجري التركيز على أن يتولى الجيش التواصل مع الأطراف المتنازعين لتنسيق المواقف، مع التشدد في الإجراءات. وبموازاة عودة الهدوء الى المدينة شهد لبنان مجموعة من الحوادث الأمنية التي لا طابع سياسياً لها، نتيجة تزايد الفلتان، من جرائم قتل وسرقة، فيما تستمر القوى الأمنية في ملاحقة خاطفي المواطن الكويتي عصام الحوطي، وأوقفت حتى بعد ظهر أمس 10 أشخاص للاستماع الى إفاداتهم أو للاشتباه بعلاقتهم بخطفه الذي أكد غير مسؤول أن لا أبعاد سياسية له، وتضاربت المعلومات حول ما إذا كان الخاطفون اتصلوا بأقارب زوجة الحوطي اللبنانية لطلب فدية تردد أنها بقيمة مليوني دولار، لكن مصادر رفيعة نفت حصول هذا الاتصال. وفيما تتواصل الاتصالات مع الجانب التركي في شأن قضية المخطوفين اللبنانيين في سورية، سطّر القضاء العسكري أمس استنابات قضائية لملاحقة المسلحين الذين نفذوا عمليات الخطف لمواطنين سوريين في الضاحية الجنوبية. وقال السفير التركي في بيروت إينان أوزيلديز لمحطة «أم تي في» إن بلاده مستعدة لبذل جهود للإفراج عن حسان المقداد، لكنه خطف قرب دمشق حيث لا قدرة لبلاده على الوصول الى الخاطفين لمحادثتهم. ونفت مصادر رسمية صحة الأنباء عن أن الإفراج عن المخطوفين اللبنانيين مشروط بإخلاء التركيين المخطوفين في لبنان. وفيما يُعقد مجلس الوزراء غداً الأربعاء، توقعت مصادر رسمية أن يغادر رئيس الجمهورية ميشال سليمان بيروت مساء اليوم نفسه الى طهران للمشاركة في مؤتمر قمة دول عدم الانحياز، حيث سيؤكد الموقف اللبناني نفسه النأي بالنفس عن الأزمة السورية. وأخذ عقد القمة في طهران حيزاً من الاهتمام، فقال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط: «من سخرية القدر أن يشارك في هذا الاجتماع بعض القادة العرب الذين انتخبوا بعد ثورات أطاحت رموز الطغيان... سيجلسون الى جانب من يقفون سداً منيعاً ضد حقوق الشعب السوري». وقال: «هنيئاً لمضيفي القمة بمجزرتي داريا وبصرى...». كما عبّرت سفيرة الولاياتالمتحدة الأميركية في بيروت مورا كونيللي عن «قلق بلادها من رئاسة إيران لعدم الانحياز ومن استمرارها في دعم نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، ما يمنعها من تسهيل حل سياسي للأزمة في سورية».