بقيت الهدنة الهشة في مدينة طرابلس، شمال لبنان، مصدر القلق الأساسي في البلاد، بعد مضي أكثر من 3 أيام على الإجراءات التي تقررت في الاجتماع الوزاري – الأمني – السياسي الخميس الماضي في منزل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في المدينة، وما أعقبه من لقاءات خلال اليومين الماضيين في منزل النائب محمد كبارة بين نواب المدينة وبعض ممثلي المجموعات الميدانية، لتثبيت وقف إطلاق النار بين مسلحي جبل محسن وباب التبانة. وأدت عودة القنص بعد هدوء نسبي الى مقتل مواطن، ما جدد الاشتباكات، لكن في منطقة الزاهرية في قلب المدينة بين مسلحين والجيش اللبناني وتسبب ذلك بمقتل طفل برصاص القنص أيضاً. ونفذ الجيش اللبناني حملة مداهمات في محلة الزاهرية في المدينة، بحثاً عن السلاح والمسلحين وأوقف عدداً من المطلوبين في أحياء أخرى من المدينة محيطة بمنطقة جبل محسن. وعلم ان الجيش صادر، خلال الدهم، حمولة شاحنتين من الاسلحة. وأكد الحزب العربي الديموقراطي في جبل محسن (حيث الأكثرية من العلويين) والذي ينتمي القتيل اليه انه لن يرد على مقتل عادل عثمان برصاص القنص وأنه سيترك الأمر للجيش. وكان كبار ضباط الجيش اتفقوا مع نواب المدينة على ضبط المجموعات المسلحة المنتشرة في منطقة باب التبانة التي حصلت اجتماعات مع قادة بعضها، على أن يتولى الجيش التعامل مع أي رصاص ينطلق من منطقة جبل محسن. وتشكلت لجان في المناطق المحيطة بجبل محسن لتثبيت وقف النار ولعزل بعض المسلحين الذين وصفهم النائب كبارة بأنهم «مأجورون يسعون الى إشعال الوضع مقابل إصرار المسلحين في جبل محسن على أخذ المنطقة وأهلها رهينة». وعقد اجتماع السادسة مساء في منزل كبارة لملاحقة تطبيق الإجراءات التي تقضي بانكفاء المسلحين في المناطق المحيطة بجبل محسن لكي يتولى الجيش معالجة أي خرق لوقف النار. وأحبط تجدد القنص أمس آمال الطرابلسيين بعودة الحياة الطبيعية الى المدينة، إثر الهدوء النسبي الذي بدأ يظهر أول من أمس وأدى الى فتح المحال التجارية فيها. وفيما يشكو القادة الأمنيون وأوساط في طرابلس من غياب المرجعية الواضحة التي يمكن ان تضغط لضبط الوضع فيها ومن وجود مجموعات جديدة فيها تضم وافدين اليها يخلون بالأمن ويتناغمون مع مسلحين في جبل محسن، كثفت هيئات المجتمع المدني من تحركها الاحتجاجي على الوضع الأمني ورفضاً للاقتتال، فنفذت نقابات المهن الحرة والفاعليات الاقتصادية اعتصاماً سلمياً مفتوحاً دعت اليه بلدية طرابلس «دفاعاً عن أمنها وتكريساً للعيش الواحد ورفض الوقوع في فخ الفتنة والعصبيات المذهبية». ودعا رئيس بلدية طرابلس نادر الغزال الى الانتقال للعمل والانتهاء من الاجتماعات والمفاوضات التي لم تنعكس إيجاباً على الأرض وأكد ضرورة تولي الجيش بسط سلطة الدولة في الشمال. ودان نقباء المهن الحرة في كلمات ألقوها أي تعرض للجيش وأكدوا دعمهم موقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وحملوا الحكومة مسؤولية التردي. واعتبر غير مصدر في الهيئات المدنية في طرابلس أن «الخوف هو من أن تستمر المجموعات الفالتة من أي ضبط وبعضها من المتشددين، في أخذ المدينة الى المزيد من التدهور الأمني، ما يتطلب إجراءات أكثر حزماً حيال هؤلاء في ظل غياب مرجعية واضحة في المدينة. وبعض هذه المجموعات يستظل بدعم من بعض سياسييها، وقد أبلغت قيادة الجيش خلال اجتماع الخميس الماضي هؤلاء السياسيين والمسؤولين بأسماء تلك المجموعات التي تستفيد من دعمهم. هذا فضلاً عن أن بعض هذه المجموعات يستظل ببعض رجال الدين»، وقد يتطلب الأمر المزيد من التحرك من الرئيس سليمان في ظل العجز الحكومي الحالي، للعمل على محاصرة من يجرون المدينة الى الفتنة. على صعيد آخر، علمت «الحياة» أن تفاعلات قضية إحالة وزير العدل شكيب قرطباوي طلب رفع الحصانة النيابية عن النائب في كتلة «المستقبل» معين المرعبي بناء للدعوة المقدمة من قيادة الجيش ضده بحجة الإساءة الى المؤسسة العسكرية، ستؤدي الى تريث رئيس البرلمان نبيه بري في عرض الإحالة على الاجتماع المرتقب لهيئة مكتب المجلس النيابي ورؤساء ومقرري اللجان النيابية الذي يعقد آخر كل شهر. وقالت مصادر نيابية أن بري لم يضع إحالة قرطباوي على جدول أعمال الاجتماع الموسع، نظراً الى الظروف السياسية الراهنة غير الملائمة لطرح موضوع خلافي، في وقت يجمع الفرقاء على دعم دور الجيش في منع الفتنة في طرابلس. من جهة ثانية، تفاعلت قضية خطف المواطن الكويتي عصام الحوطي أول من أمس في البقاع، فنفذ أقارب زوجته اللبنانية اعتصاماً في المكان الذي اختطف منه ورفعت السيدة فوزية عرفات (الحوطي) قميصاً ملخطاً بالدم كان يرتديه حين تعرض له خاطفوه. وناشد أقاربها الخاطفين الإفراج عنه والإفصاح عن مطالبهم. كما تفاعلت القضية في الكويت أيضاً وجرت اتصالات مكثفة بين المسؤولين الكويتين والمسؤولين اللبنانيين. وصدر عن المكتب الإعلامي للرئيس بري مساء بيان أكد أنه «يتابع وبشكل متواصل وعن كثب» موضوع خطف الكويتي عصام الحوطي. وأجرى لهذه الغاية سلسلة اتصالات كما تلقى اتصالات عدة من مراجع كويتية وهو على تواصل دائم مع السفارة الكويتية في لبنان، آملاً بإطلاق سراح «هذا المواطن الذي يمثل العلاقة الحقيقية بين الشعبين الكويتي واللبناني، إذ يعيش نصف حياته هنا في لبنان والنصف الآخر في الكويت. ولقد كانت الكويت معنا دائماً في السرّاء والضرّاء، وأقل ما يمكن فعله هو تخلية سبيل المخطوف الكويتي فوراً ومع الاعتذار الشديد».