لم تكن حظوظ الفوز بالرئاسة معدومة لجون ماكين، المرشح الجمهوري السابق للانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة، في آب (أغسطس) 2008، قبيل المؤتمر العام لحزبه، على رغم أن الوهج الإعلامي كان يحيط بمنافسه باراك أوباما، لما ينطوي عليه ترشحه من أبعاد تاريخية بحكم لون بشرته، وللوعود التي شكلها أوباما نفسه بالابتعاد، بل بالانقلاب، على منهج الرئيس يومذاك... جورج دبليو بوش الذي كانت صورته اقترنت بالحروب الفاشلة والاستنزاف الاقتصادي. إلا أن ماكين اختار سارا بالين، حاكمة ولاية آلاسكا، ذات الخبرة الضئيلة، كمرشحة لمنصب نائب الرئيس، في خطوة اعتبرت مغامرة على أكثر من صعيد. غير أنها مغامرة لم تفلح. أما ميت رومني، وهو اليوم يخلف ماكين في موقع المرشح الجمهوري، فيبدو واضحاً في اختياره الشريك على القائمة الانتخابية أنه يحاول أن يتجنب المغامرات ذات الأثمان الباهظة. فاختيار رومني بول رايان، عضو مجلس الشيوخ في الكونغرس عن ولاية ويسكونسن اختيار آمن، بعيد من تهمة المغامرة، لكن السؤال قد يكون إذا استعاض رومني عن تفريط ماكين بالحيطة في الاختيار بإفراط في الحذر قد لا يحقق النتائج المرجوة. لا يختلف بول رايان كثيراً عن ميت رومني من حيث التوجه السياسي والمنهج العقائدي. فكما أن رومني يطرح نفسه اليوم بصورة المدافع عن المبادرة الفردية للمواطن الأميركي في وجه توسع غير مبرر لدور الدولة، فإن رايان برز في الأعوام الأخيرة كأحد أبرز المنادين بتقليص دور الدولة، وإلغاء برامج الدعم المتفرقة أو إعادة صوغها بما ينهي استباحتها المال العام وفق رؤيته. وعلى وجه التحديد، شهرة رايان تعود إلى طرح هو على مقدار من الجرأة لخروجه عن المتداول، في اتجاه خصخصة تدريجية لبرنامج الضمان الاجتماعي التقاعدي، وإحالة برنامج المساعدة الصحية على الولايات، ولإصداره في الأعوام الماضية سلسلة من الموازنات البديلة التي تلتزم النهج المحافظ في خفضها الحد الأقصى للضرائب واستعاضتها لتحصيل المال العام عن ضرائب الدخل بضرائب الاستهلاك. ورايان، المنسجم مع رومني في التزامه القراءة المحافظة على الصعيد المالي، يشكل بالتالي تحصيناً لرومني إزاء الاتهامات بأن مواقفه في الشأن المالي ليست مبدئية، بل انتهازية فحسب. إذ تعارضها التوجهات التي كان رومني قد اتخذها خلال حاكميته لولاية ماساتشوستس، حيث أقر مشروع رعاية صحية هو أقرب إلى ما نجح أوباما في تحقيق بعض أوجهه في إطار تعديله نظام التأمين الصحي. ثم إن رايان، على صعيد المواقف الاجتماعية، يحظى بثقة واسعة في الأوساط المحافظة، لتشدده في الدعوة إلى تقييد الحق في الإجهاض، ولالتزامه قناعات مطابقة للمحافظين الاجتماعيين في شأن المواضيع الحساسة، لا سيما زواج المثليين. وهنا أيضاً، يشكل رايان تعزيزاً وتحصيناً لميت رومني، المتهم في أوساط محافظة بالتبديل الوصولي للمواقف الاجتماعية، لا سيما في موضوع الإجهاض ذي الحساسية الفائقة بالنسبة إلى المحافظين الاجتماعيين، إذ إن معارضة رومني له مستجدة حصلت بعد إعادة نظر تثير الريبة لدى بعضهم. وعلى هذا الأساس، حظي رايان بدعم راسخ في أوساط تيار «حفلة الشاي» الشعبوي المحافظ، الطاعن بمواقف القيادات التقليدية للحزب الجمهوري لكونها مستهلَكة في تداول النفوذ، ومبتعدة عن المبادئ المفترضة للحزب الداعية إلى تقليص دور الدولة ودعم المبادرة الفردية. ورومني في حاجة إلى الطاقة التعبوية لهذا التيار للفوز بالرئاسة، غير أن حساباته حول أهمية رايان في هذا الصدد قد لا تكون دقيقة. ولا شك في أن القاعدة المحافظة، سواء التي تولي الشأن المالي والاقتصادي الأولوية، أو التي تركز على القضايا الاجتماعية، ستدلي بأصواتها الانتخابية لمصلحة رومني. لكن السؤال العالق كان ولا يزال حول مستوى التحفيز لدى هذه القاعدة، أي: كم شخصاً منها سيأتي إلى صندوق الاقتراع وكم شخصاً سيتخلف عنه؟ وفي حين يحظى رايان بالاحترام في أوساط هذه القاعدة، فإن من المعطيات ما يحدّ من قدراته التعبوية، وهي وإن لم تكن جوهرية، فإنها تنفي عنه صفة العامل التحفيزي المرتفع الفاعلية، ومنها بعض التقلب في مواقفه العقائدية ما قد يستجلب الاستدراج إلى متاهات تنظيرية في المناظرات المرتقبة مع خصومه الانتخابيين... ومنها كذلك الاتهامات بأن موازناته البديلة كانت متهورة أو حتى خيالية في فرضياتها وحلولها، ومنها أخيراً أنه كاثوليكي المذهب، أي أنه قد لا يتمكن من تحفيز الإنجيليين المتدينين بالمقدار الكافي، لا سيما مع اعتراضهم على مذهب رومني المورموني. من شأن رايان إذاً، نظراً إلى الإيجابيات في خلفيته، أن يساهم في نقل تأييد قطاع من المحافظين من خانة التصويت لخصم أوباما إلى موقع التصويت لمصلحة رومني - رايان، مع مقدار أقل من استقطاب من يتوقع أن يكون منكفئاً عن الانتخابات من المحافظين الاجتماعيين. في المقابل، لن يؤثر رايان سلباً في قدرة أوباما على التعبئة في الأوساط المؤيدة له. أي أنه ليست لرايان سمات تسمح له بانتزاع بعض التأييد في هذه الأوساط، بل العكس صحيح: فكلام رايان المتكرر والداعم للتشدد في إنهاء البرامج الداعمة من جهة والمتمسك بمحاربة حق الإجهاض من جهة أخرى، يجعل من اختياره عاملاً تحفيزياً بالنسبة إلى التقدميين في التعبئة المضادة له ولرومني، لمصلحة التجديد للرئيس أوباما. فبدلاً من اختيار المرشح لمنصب نائب الرئيس القادر على استقطاب المستقلين، أي الوسط المتقلب، والقادر على تحدي أوباما في قاعدته، انتقى ميت رومني مرشحاً قد يساهم إلى حد ما في تمتين تأييد القاعدة المحافظة، من دون استقطابها بحماسة، فيما هو يقدم للخصم مادة قابلة للتوظيف في تحفيز مضاد. فالمكسب الصافي من هذا الاختيار قد يكون في أحسن الأحوال ضئيلاً.