الخليج يخشى الأخدود .. الوحدة يواجه الاتفاق    بأمسياتٍ روائيةٍ وتجارب تفاعلية.. الإعلان عن «مهرجان الدرعية للرواية»    تقلل خطر الإصابة لدى النساء.. ثورة واعدة لعلاج سرطان عنق الرحم    مغادرة الطائرة السعودية ال13 لمساعدة الشعب السوري    "المركزي الروسي" يخفض سعر صرف العملات الرئيسية مقابل الروبل    استمرار هطول أمطار على عدد من مناطق المملكة    ترمب يغيّر اسم خليج المكسيك    كائنات مخيفة تغزو جسد رجل !    اكتشاف قمتين أطول من إيفرست ب100 مرة !    مصر: التحقيق مع فرد أمن هدد فنانة مصرية    حورية فرغلي تستعد لتركيب «أنف اصطناعي»    التحكم في الكمبيوتر بإيماءات الوجه !    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الموسيقار العالمي هانز زيمر يبهر جمهور "موسم الرياض" في ليلة ابداعية..    وصول الوفود المشاركة في مؤتمر آسيان الثالث "خير أمة" بمملكة تايلند    عمال يحصلون على 100 ضعف رواتبهم.. ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانهم؟    غوتيريش يدين احتجاز الحوثيين لسبعة من موظفي الأمم المتحدة    130 شاحنة مساعدات تدخل لقطاع غزة    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة لتمديد خدمته نائباً لأمير جازان    الشباب يحصل على شهادة الكفاءة المالية    «ميتا» تعتزم استثمار أكثر من 60 مليار دولار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي    بعد «سره الباتع».. فيلم جديد يجمع رانيا التومي مع خالد يوسف    شامخات القصيد في معرض الكتاب بالقاهرة.    الربيعي تحصل على المركز الثاني في مسابقة بيبراس للمعلوماتيه    مدرب الأهلي "ماتياس": الجميع يعمل لتدعيم صفوف الفريق    "الأهلي" يكشف أساطيره في "أسبوع الأساطير"    فريق برادي يتصدر التصفيات التأهيلية لبطولة القوارب الكهربائية السريعة "E1"    منح وزير الشؤون الإسلامية وشاح الطبقة الأولى للشخصية الإسلامية العالمية المؤثرة لعام 2024    وزير المالية: استثماراتنا في أمريكا تفوق 770 مليار دولار    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته نائبًا لأمير جازان    مدير عام تعليم الطائف التعليم استثمار في المستقبل وتحقيق لرؤية 2030    أمير حائل يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أميرًا للمنطقة    الأمير محمد بن سلمان يُعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ فاضل الصباح    جامعة الملك عبد العزيز تطلق مبادرة لتطوير مهارات الطلاب والطالبات في مجال الذكاء الاصطناعي الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط    أعراض غير نمطية لتصلب الشرايين    الأولمبياد الخاص السعودي يختتم المسابقات الوطنية للقوة البدنية والسباحة بالرياض    40 ألف ريال تكاليف ليلة الحناء    الجبير يُشارك في جلسة حوارية في منتدى دافوس بعنوان «حماية البيئة لحفظ الأمن»    «سلمان للإغاثة» يوزع مستلزمات تعليمية متنوعة لدعم مدارس محو الأمية ومراكز ذوي الإعاقة في اليمن    ترمب يلغي الحماية الأمنية عن فاوتشي: «ليحمي نفسه»    الجوف: القبض على شخصين لترويجهما أقراصا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    قائد الإدارة الجديدة في سوريا يستقبل وزير الخارجية فيصل بن فرحان    آل سمره يقدمون شكرهم لأمير نجران على تعازيه في والدهم    القصيبي مسيرة عطاء    عبد العزيز بن سعد يشكر القيادة لتمديد خدمته أميراً لحائل    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الإساءة إلى جيرانكم وأحسنوا لهم    أكثر من 20 ألف جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة الأسياح لعام 2024م    خطيب المسجد الحرام: حسن الظن بالله عبادة عظيمة    إحباط محاولة تهريب أكثر من مليون و400 ألف حبة "كبتاجون"    الذهب يسجل أعلى مستوى في 3 أشهر مع ضعف الدولار وعدم وضوح الرسوم    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    الثنائية تطاردنا    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    الملك وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة رئيس منغوليا الأسبق    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    الإرجاف أفعى تستهدف بسمّها الأمن الوطني..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجيش الحر» جيش الضحايا الذي أثقلت عليه التسمية
نشر في الحياة يوم 26 - 08 - 2012

كم تبدو ظالمة محاسبة «الجيش السوري الحر» بصفته جيشاً يجب إخضاعه لقواعد المحاسبة التي تخضع لها الجيوش، لكنه ظلم ضروري على رغم ما ينطوي عليه من تعسف. ذاك أن الوظيفة المنوطة ب «ظلم ذوي القربى» هي إشعار «الجيش الحر» بأن عين رقيب ثاقبة لن تُغفل انتهاكات حصلت، ومن الممكن أن تحصل، وهي تُصيب الثورة قبل أن تُصيب خصومها.
لا يقترب النقاش الدائر حول دور «الجيش السوري الحر» من حقيقة هذا الجيش ولا يُلامس معضلاته. انه نقاش من خارج سورية، يُخترع فيه هذا الجيش وتُرسم صور له وتُحدد وظائف افتراضية ل «كتائبه». يُقال مثلاً إن «الجيش الحر فعل ذلك»، فيتصور المرء جيشاً وقيادة وقراراً، وهذا ليس حقيقة ما يجري. والحال إن أول ما أصاب هذا الجيش هو اسمه! إذ انه «جيش» على نحو ما تشير تسميته، وهو وفق ما هو سائد، وحدات منشقة عن الجيش السوري النظامي، انتقل ضباطها وعناصرها إلى الجهة الأخرى من الجبهة، وباشروا التصدي للوحدات التي انشقوا عنها. وغالباً ما ترافِق هذا الاعتقاد صور متخيلة عن أسلحة وعتاد وخطط حربية، تتغذى من هذيانات معارضين في الخارج يكشفون خططاً عبر الفضائيات لعمليات «دقيقة» أنجزها «الجيش السوري الحر» برعايتهم. في الداخل، كم يبدو هذا الاعتقاد خاطئاً وظالماً، ومعرضاً المجموعات المقاتلة لخيبات أحدثتها طموحات غير واقعية.
ليست هذه حال المجموعات التي تُقاتل النظام في سورية على الإطلاق. أولاً هي ليست جيشاً، بل إن تحولها إلى «جيش أنصار» ما زال يعوزه وقت وعمل. وهي أيضاً ليست وحدات منشقة عن الجيش النظامي، فالمقاتلون في هذه المجموعات الذين انشقوا عن الجيش النظامي لا تبلغ نسبتهم من عديد المجموعات أكثر من 30 في المئة. وغالبية من انشق من ضباط الجيش النظامي لم تلتحق بهذه المجموعات إنما غادرت إلى دول الجوار (تركيا والأردن) التي أقامت، لأسباب ما زالت غامضة، مخيمات للضباط، أشبه بمراكز احتجاز، يمنع فيها هؤلاء من مغادرة المخيم إلا بإذن عسكري. أما الأسلحة التي في أيدي تلك المجموعات فلا تمت لأسلحة الجيوش بصلة. أسلحة خفيفة وقليلة وعديمة الانسجام، ولا تؤدي مهمات كاملة. وأما سر صموده وإصراره وانسجام قطعه فيتمثل فقط في الرغبة العارمة والحاسمة في قتال جيش النظام وإبعاده عن مناطق المدنيين.
من المرجح أن ليبيا كانت أكثر حظاً بالاسم الذي اقترحته وتبنته لمسلحي ثورتها. انهم «الثوار» على ما تنطوي هذه العبارة من سعة وطلب للمغفرة واستدعاء للحساب. انهم ثوار علاقتهم مستجدة بالسلاح وبالحروب، وهم ضحايا نظام يجب الحد من ميلهم إلى الانتقام. وكم يُشبه ذلك ما يجري في سورية اليوم. «الجيش الحر» صورة عن ضحية النظام في سورية، على ما ينطوي ذلك من احتمالات. انه الناس وقد حملوا السلاح، وهو ليس جيشاً من الملائكة، بل جيش من الضحايا، والضحية في الواقع الفعلي ليست ملاكاً.
ليس في ذلك التعريف طلب للمغفرة على الإطلاق، إنما سعي إلى تصويب الحساب، والبحث عن المسؤولية عن الابتعاد عن قيم السلمية التي كانت السمة الأساسية للثورة في السنة الأولى من اشتعالها. والنظام طبعاً هو المسؤول الأول والمطلق عن العسكرة. ولكن ثمة سمة أخرى تطبع الحراك السوري في الداخل الآن: فمسلحو الثورة ليسوا سلطتها المطلقة، وقدرة المجموعات المدنية على التأثير والتصويب كبيرة، لكنها انحسرت ليس فقط بفعل طغيان السلاح والانتقال من الثورة إلى الحرب، إنما أيضاً بسبب نزوح وخروج كثيرين من الناشطين المدنيين، ناهيك عن أن النظام قتل معظم جيل الثورة السلمية الأول.
ثمة تأثير حاسم لأي عمل مدني في الثورة السورية، وفي الحروب الدائرة والمنتقلة من ضفافها إلى متنها. نسبة لا يُستهان بها من الناشطين المدنيين الذين لم يخرجوا من سورية ولم يُقتلوا هم اليوم قادة وحدات في «الجيش الحر»، استسلموا مرغمين للمواجهة المسلحة، وقليلون ممن لم يتوجهوا من البلدات والمدن إلى الجبهات، ما زالوا فاعلين، تعوّل مجتمعاتهم على نشاطهم في الإعلام و التظاهرات والإغاثة، وهؤلاء يربطهم بالقيم الأولى للثورة حنين ورغبة في الاستئناف. فالمدن الصغيرة والبلدات والقرى ما زالت بؤراً للثورة تُقيم فيها شعائرها السلمية، وتتحدث عن الأخطاء على الجبهات، وتطلب مُهلاً وصفحاً، وتقول مخطئة: لسنا الآن بصدد المحاسبة على التجاوزات... نريد أولاً أن نُسقط النظام.
المدن والبلدات التي تُمسك بها المجموعات التي سُميت «الجيش الحر»، ما زالت ل «السلمية» قيمة فيها. أهالي بنش مثلاً عندما رغبوا في استضافة صحافيين زاروا بلدتهم قالوا: «باتوا ليلتكم في بلدتنا فسننظم لكم تظاهرة ليلية». لم يقولوا «ننظم لكم عرضاً عسكرياً» على رغم أن السلاح متوافر لهذه المهمة.
ما زالت ل «السلمية» جاذبيتها على رغم تفشي العسكرة وقيمها في أنحاء الثورة، لكن الضعف الذي أصاب «السلمية» يمكن أيضاً تعويضه إذا قررت المعارضة المدنية العودة من تركيا ومن بيروت وعمان، وهذه العودة ممكنة وقد أقدم عليها ناشطون غادروا ثم عادوا تحت إلحاحها.
ليس «الجيش الحر» جيشاً، انه وحدات محلية ومرتجلة. انه جيش أهلي يتسع لكل ما تعنيه الكلمة من تفاوتات واحتمالات. وإطالة أمد الأزمة في سورية مضافاً إليها استمرار الرغبة الدولية في الانكفاء والحذر، تُرشح هذا الجيش الأهلي إلى مزيد من التذرر وإلى توسع الهوامش. فالوجوه «المحلية» لقادة الكتائب ستتسرب إليها أقنعة أمراء الحرب، وخليط الناشطين و«الفتوّات» والضباط لن يتمكن من تلقائه من بلورة صورة واحدة للثائر في أرياف المدن، وفي تخومها وأحزمتها.
ليسوا ملائكة، والأكيد انهم ليسوا شياطين، انهم ضحايا النظام، وقابلية الضحية لأن تنقلب جلاداً يمكن الحد منها عبر استعجال الحل أولاً، وعبر عودة جيوش الناشطين المقيمين خارج الحدود إلى مجتمعات الثورة لا إلى جبهاتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.