لعب الاقتصاد التركي القوي دوراً اساسياً في النجاح السياسي الذي حققه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، إلا أن البيئة الخارجية المحيطة، والمخاوف بشأن بعض السياسات غير الحكيمة، تفيد بأن أردوغان يواجه رحلة صعبة بالنسبة للاقتصاد. وعلى رغم أن هيمنة حزب "العدالة والتنمية" التركي بزعامة أردوغان، الذي تولى السلطة في 2002، قامت على أنقاض أزمة اقتصادية اجتاحت تركيا عام 2001، عندما انهار السوق المالي وارتفع التضخم بصورة كبيرة، تمكّن الحزب من تحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي بنسبة 5 في المائة، منذ 2003، ورفع مستوى معيشة العديد من الأتراك العاديين إلى مستوى الأوروبيين، من حيث الازدهار والإنجازات، ما ساعد أردوغان على الفوز في سبع انتخابات واستفتاءين، خلال عقد تقريباً. أما الآن، فالتحدي الذي سيواجه أردوغان يكمن في قدرته على المحافظة على النمو الإقتصادي، والبناء على الإنجازات الاقتصادية السابقة، عندما ينتقل من رئاسة الوزراء إلى رئاسة الجمهورية، يوم الخميس المقبل، إذ أن البيئة الخارجية أصبحت أصعب بالنسبة لتركيا، خاصة خلال السنوات الأخيرة، بعد أن خفض "مجلس الاحتياط الفيديرالي" برنامجه للتحفيز الاقتصادي، الذي استفادت منه الاقتصادات الناشئة، إضافة إلى النزاع الدائر في العراق، الذي تسبب بفقدان تركيا إحدى أكبر أسواق التصدير. أما من الناحية الداخلية، فقد بدأت الشكوك تتزايد بشأن جدوى التفكير الاقتصادي لأردوغان، بعد أن تحدى استقلالية البنك المركزي، ودفعه إلى خفض معدلات الفائدة، في وقت تعاني فيه البلاد من ارتفاع معدلات التضخم. وعلى رغم النمو الاقتصادي، لا تزال البلاد تعاني من مشاكل هيكلية كبيرة، إذ أنها تواجه أعباء بسبب العجز المرتفع في الحساب الجاري، وانخفاض معدلات التوفير بشكل مزمن، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم إلى نسبة تفوق هدف البنك المركزي، أي 5 في المائة وتوقف النمو. من جهة أخرى، يمكن أن تواجه تركيا عدم استقرار سياسي قبل الانتخابات التشريعية سنة 2015، التي يرغب أردوغان أن يفوز فيها حزب "العدالة والتنمية" بأغلبية ساحقة، ليتمكن من تغيير الدستور، ومنح الرئاسة مزيداً من السلطات. وقالت شركة "كابيتال ايكونوميكس" للاستشارات في لندن، إن "انعدام التوازن الاقتصادي الذي تراكم خلال السنوات الأخيرة من تولي أردوغان رئاسة الوزراء، سيستمر على الأرجح خلال رئاسته"، مضيفة أن "حماسة حزب العدالة والتنمية للاصلاح تضاءلت بشكل كبير خلال السنوات الاخيرة". وحذرت وكالتا التصنيف الائتماني "موديز"، و"فيتش"، من الضرر الذي قد يصيب الاقتصاد التركي في حال غاب الاستقرار السياسي عقب الانتخابات الرئاسية، في وقت شكك وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبيجي، في حياد هاتين المؤسستين. وذكرت "موديز"، في تقرير، أن "المشهد السياسي في تركيا لم يصل بعد إلى حالة الاستقرار"، مشيرة إلى مخاطر التنازع السياسي داخل الحزب الحاكم نفسه". وسيكون الاختبار الأهم خلال الأسبوع المقبل، عندما يتبيّن شكل الحكومة الجديدة في ظل رئيس الوزراء المقبل أحمد داود اوغلو، إذ سيتضح من هم اللاعبون الرئيسيون المستقبليون في الاقتصاد التركي. ويعدّ نائب رئيس الوزراء ومستشار الحكومة في الاقتصاد علي باباجان، ووزير المالية محمد سيمسيك، لاعبين مهمين بالنسبة للأسواق، إذ يعتبران ضامنين لتبني الحكومة سياسة اقتصادية عاقلة، في عهد حزب "العدالة والتنمية". وأشارت تقارير الأسبوع الماضي إلى أن باباجان يمكن أن يخرج من الحكومة، إلا أن ظهوره أخيراً إلى جانب أردوغان يشير إلى عكس ذلك. وقال "فاينانسباك"، في إشعار لعملائه، إن "الأخبار الأخيرة تشير إلى ترجيح أن يحتفظ باباجان وسيمسيك، الوزيران المفضلان لدى الاسواق، بمنصبيهما في الحكومة الجديدة".