في كيغالي، عاصمة رواندا «بلاد الألف تلة»، ينزل أهالي المدينة والمسؤولون الرسميون وفي مقدّمهم الرئيس بول في السبت الأول من الشهر للمشاركة في حملة نظافة للشوارع تساهم في صون الطبيعة والبيئة. يعتبر هذا المشهد- الحلم من أبرز الوقائع التي يشهدها زوار رواندا. وفي كيغالي، يسهل التنقّل باستخدام سيارة الأجرة العادية أو الدراجات التي تتيح فرصة الاستمتاع بجمال الطبيعة والمناخ المعتدل طوال العام، إذ تتراوح درجة الحرارة بين 25 و28 مئوية. ويفرض القانون وضع خوذة على رأس سائق الدراجة ومن يركب معه، إضافة الى احترام السرعة المقررة وسائر قواعد السير. مفوّضية في أزمة في لقاء مع «الحياة»، أوضح رجل الأعمال المصري محمود سالم الذي يعمل في مجال التعدين في رواندا منذ أكثر من 11 عاماً، أن دراسات بيئية وافية تُطلب عند الشروع في تنفيذ أيٍ من مشاريع التعدين التي ينهض بها، كما تتابع الحكومة نتائج هذه الدراسات بدقة وحزم. وأثنى سالم بشدة على مناخ الاستثمار في رواندا قائلاً: «لا يوجد فساد. حال الاستثمار ممتازة. وتقدّم الدولة إعفاءات ضريبية وحوافز للمستثمرين الجادين». ودعا سالم المستثمرين المصريين والعرب الى توظيف أموالهم في رواندا. وقال: «إن استثمارنا في رواندا يفتح لنا أبواب شرق إفريقيا كلها». وفي هذه الأيام، تتجه أنظار دول حوض النيل إلى رواندا التي تسلمت أخيراً رئاسة مجلس وزراء المياه والري في دول حوض النيل، عقب انتهاء ولاية كينيا عليها. ويُتداول هذا الموقع سنوياً وفق الترتيب الأبجدي لدول الحوض. وتتوقع هذه الدول أن تُبذل جهود كبيرة لحلّ الإشكاليات العالقة بينها، وفي مقدمها عدم التوافق على الإطار القانوني لإنشاء المفوضية الدائمة لحوض النيل، والاتفاقية المنفصلة التي وقعت عليها 6 من دول منابع النيل في غياب موافقة دولتي المصب، وهما مصر والسودان، إضافة إلى الكونغو. واستهلت رواندا فترة رئاستها للمجلس بأن استضافت مجموعة من الفعاليات والنشاطات، شملت اجتماعات للجنة الفنية الاستشارية للمياه والري في دول الحوض، واجتماعات وزراء المياه والري، والمنتدى الثاني للبرلمانيين في حوض النيل. وخرج هذا المنتدى بإعلانٍ دعا فيه حكومات دول حوض النيل إلى بذل مزيد من الجهود لحل خلافاتها، وتكوين شبكة قوية للبرلمانيين في هذه الدول عينها. واتخذ الاجتماع الوزاري قرارات عدة، منها قبول العضوية الكاملة لدولة جنوب السودان، وإدراج استراتيجية للمرأة والنوع الاجتماعي، والتعاون مع الصين في مجال بناء القدرات الذاتية المتّصلة بمياه الأنهار وغيرها. وركزت اجتماعات اللجان الفنية على التغيّرات المناخية وتأثيرها في الموارد المائية في دول الحوض والموارد الطبيعية عموماً. ولاحظت هذه اللجان خطورة ظواهر التطرّف في المناخ التي سببت كوارث لدول الحوض، شملت موجات جفاف طويلة وفيضانات عارمة وتسارع في تدهور التربة، وزيادة حجم الترسبات في مجرى نهر النيل وغيرها. دور الأقمار الاصطناعية عقّب الدكتور شريف محمدي عضو اللجنة الفنية الاستشارية في الوفد المصري، على هذه الصورة ومعطياتها. وقال: «جرت الموافقة على مقترح مشروع لدراسة آثار تغيّرات المناخ على دول الحوض، كي تتعاون مع بعضها بعضاً في هذا الموضوع في شكل علمي ومُمنهج. ومن المستطاع وصف هذا المشروع بأنه مجموعة دراسات بحثية وتطبيقية في الوقت نفسه تدرس الأوضاع على الأرض. لن يبدأ المشروع من الصفر. هناك دراسات يمكن البناء عليها، لكن معظمها لم يكن مخصّصاً لمنطقة حوض النيل. لا بد من إجراء دراسات على المستويين المحلي والإقليمي حتى نصل إلى مستوى الدقة المطلوب. ومن المُزمَع إجراء هذه الدراسات بالتعاون بين الخبرات العلمية في دول الحوض من جهة، ومجموعة من الخبرات الدولية من الجهة الاخرى». وأوضح محمدي حدوث توافق أيضاً على مشروع للمراقبة والتقويم الشامل للأوضاع المُتّصلة بالموارد المائية في دول الحوض نوعياً وكمياً، باستخدام أحدث تقنيات الأقمار الاصطناعية والاستشعار من بُعد ومحطات الرصد المتنوّعة. وفي السياق عينه، أبدى الدكتور وائل خيري المدير التنفيذي ل «مبادرة حوض النيل» سعادته بتمكنه من الحصول على تمويل لمشروع للحدّ من آثار التغيّرات المناخية في دول الحوض. وقال خيري: «استطعنا ربط المشروعات الحالية بمشروع جديد يبدأ في مستهل 2013 لزيادة مقاومة المجتمعات في حوض النيل، للتغيّر في المناخ، مع التركيز على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. يشمل المشروع الجديد دول حوض النيل كافة، ويهدف الى تحقيق التنمية المستدامة». وبيّن خيري أن تمويل المشروع ليس ضخماً، لكنه معقول كبداية، ويصل إلى قرابة 43 مليون دولار لمدة سبع سنوات». ويذكر أن هذا المشروع الذي تحدث عنه الدكتور وائل خيري أنقذ مبادرة حوض النيل من التوقف، إذ ينتهي تمويلها في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وفي السياق عينه، ناقش وزراء دول حوض النيل في اجتماعهم في كيغالي بعض جوانب التمويل للمبادرة، خصوصاً مع عدم التزام معظم دول الحوض بدفع حصصها. ويموّل المشروع الجديد «صندوق دعم النيل» Nile trust fund الذي يشرف عليه «البنك الدولي». ويتكوّن الصندوق من مجموعة كبيرة من المانحين. معلومات برسم السياسيين أثناء اجتماعات كيغالي، تناول ممثل «البنك الدولي» غوستافو سالتييل، الدروس المستفادة من عمل مبادرة حوض النيل، خلال ال13 عاماً الماضية. وقال سالتييل: «ثمة أهمية بارزة لمسألة التعاون بين دول الحوض، كما أدّت المبادرة دوراً أساسياً في هذا الصدد. هناك الآن فهم أكبر لموارد نهر النيل ومعطياته الهيدرولوجية، والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتنموية المتصلة به». وأعرب عن اعتقاده بأن هذا الجهد يجب أن يصبح أساساً للتحرك السياسى على طريق الإدارة الجيدة للموارد المائية والموارد الطبيعية في الحوض، مشيراً إلى أحد أهم إنجازات المبادرة التي تتمثّل في إنشاء نظام لدعم اتخاذ القرار. وأوضح سالتييل أنه لا توجد حجة الآن لدى السياسيين، بمعنى أن المعلومات الفنية أصبحت متاحة لهم عبر هذا النظام. في هذا الصدد، أوضح الدكتور هشام عبدالغني مدير مشروع إدارة الموارد المائية في المبادرة، أن هذا النظام يتوج عمل المشروع الذي بدأ عام 2005 وينتهي العام الحالي. وبيّن أن المشروع أنجز دراسات وافية عن الأوضاع والسياسات المائية والقدرات الفنية في دول الحوض، ما يقدّم معلومات وصورة كاملة علمية وفنية للسياسيين، في شكل مبسط يعينهم على دراسة المشروعات المشتركة. وشاركت مصر في اجتماعات كيغالي بوفد رفيع، ترأسه الدكتور هشام قنديل الذي أكّد حرص بلاده على دعم علاقاتها مع دول النيل في المجالات كافة، ما يساهم في تحقيق التنمية فيها. وبدا أن مصر (بالتنسيق مع السودان) في صدد طرح شيء ما كي يزحزح الموقف المُعقّد بين دول منابع النيل من ناحية ودولتي المصب من ناحية أخرى. وفي تصريح إلى «الحياة»، أكّد قنديل هذا الأمر موضحاً أن الطرح الجديد يعوّل على استمرار العمل بين دول الحوض عبر مسارين متوازيين لا يعطل أحدهما الآخر، أحدهما يتصل بمبادرة حوض النيل وتنفيذ مشروعاتها وبرامجها واستمراريتها، والآخر يتعلّق بالتفاوض حول القضايا الخلافية من دون عرقلة مسيرة التعاون المشترك. وفي اجتماع مغلق بين الوزراء، اتّخِذ قرار بعقد اجتماع استثنائي في مطلع أيلول (سبتمبر) المقبل في كيغالي، التي ستتجه إليها الأنظار مرة أخرى في انتظار بوادر أمل جديد ينحي الخلافات، ويدعم التعاون والتكامل بين دول حوض نهر النيل.