لم يَعُد العيد حدثاً استثنائياً للجسد الاجتماعي الباحث عن أي مصدر فرح، بل بات يمر ببرود عبر يومين من أيام العام وكضيف ليلي، بهجتنا وسعادتنا التي نرتاد معطفها - جبراً - خلال هذين اليومين تتجه في الزمن الأخير لأن تكون تحت عباءة الاصطناع، فلم نعد ندخل أبواب بعضنا، فضلاً عن أن نطرقها، فهي إما مغلقة أو مقفلة، «متى نفتحها»؟ هو السؤال الكبير الذي يملأ صدورنا ولا يحتاج منا سوى إجابة نبدأ بها التصحيح لمفاهيم دفء اجتماعي مفقودة. نتواجه وكأن كلاً منا يصعب عليه أن يبتسم للآخر، ولن أكون متشائماً بهذه النظرة إلا أنها الحقيقة وإن أوجعت! أصبحت رسالة قصيرة نختارها وننقلها بأقل العبارات والمفردات، ونبعثها للكل عبر هواتفنا الجوالة بمثابة التواصل العام، وباتت تحسب كهدف سامٍ من أهداف العيد، وصورة نراها - بيضاء - من صور التلاحم، ولكن مسلسل التواصل عبر سيل الرسائل واعتبارها طرازاً حديثاً وأسلوب معايدة، يؤكد أننا نستكتب أنفسنا إنشائيين عبر هذه المساحة الضئيلة من المفردات التي تفرض علينا هواتفنا المتنقلة ألا نتجاوزها، وننقل العيد بأحرف متشابهة لا تمثل القلب ولا تعكس أننا نسير بالعيد إلى محتواه ومعناه الحقيقي. مشاهد العيد تنحصر في أن نكون على سطر واحد من بياض الملابس، وتلميع المظهر، وتهيؤ ساخن باكر تجاه هذين المشهدين من المساء السابق لإشراقة صباح العيد، فيم يظل بياض ملابسنا محروماً من أن يطل على ساعات صباح العيد كاملة، حرصاً على أن ينال الجسد أحقيته ونصيبه من النوم في ظل إدمان السهر للأيام السابقة، وتبقى أنفسنا محرومة هي الأخرى مما حرمت به الملابس نفسها في أحقية البياض الذي نمتلكه بالداخل ونصر على ألا ترى شيئاً من الجمال الذي يحيط بنا! نتعذر بِبُعْد المسافات، والحاجة إلى كثير من الجهد والوقت لمبادلة الآخرين سمو المشاعر، لكننا لم نفِ حتى بواجباتنا التي وصى عليها ديننا، بدءاً من الجار وانتهاءً بصلة الرحم إلا بعد مشقة وعناء شديدين. العيد هو مناسبة منفردة لتلاحم المجتمع وتضامن أفراده يداً بيد، وفرصة صريحة لمَنْح كل منا «الآخر» ما يحتاجه من الابتسامة التي لا تحتاج لأدنى جهد، وليس صعباً أن ندع للطيب، وحرارة اللقاء والتسامح ميداناً واسعاً ولو لبضعة أيام هي استيقاظة العيد عبر حزننا المستبد، وعبوسنا الطويل. نذهب ونعود للعيد الذي نقول إن طعمه اقتصر على الأطفال، وكأنه صمم خصيصاً - للكبار - كثوب للارتداء في ذلك اليوم فقط، لنعيد ارتداء كل ملامحنا الفطرية ووجوهنا الحقيقية التي تتشكل في العيد بأنصع مظهر، لنبدأ مع الأطفال فسيكون لهم أطفال ذات يوم مقبل، لنتذوق طعم العيد معهم ومع كل وجه نلتقيه، وكل يد نصافحها، لنجتمع فربما كان لا «اجتماع» بعد ذلك، لنختزل أفراحنا في توقيتها المناسب التي نصر أحياناً على تجاهلها، وكأننا موعودون بطابور من الأفراح يعوض عجلتنا في الاختزال والتجاهل... العيد لوحة استثنائية ربما تتكرر وقد لا تتكرر، وكثير هي الفرص التي أضعناها تماماً ونحن على وضعية الانفراد معها، لأننا لا زلنا هواة في التعامل مع مجريات حياتنا، ولا نزال بحاجة لإعادة تأهيل في الكثير من خصوصياتنا وأشيائنا، سيذهب هذا العيد وننتظر آخر، الفرق فقط كيف سيمضي عيدنا هذا، وهل سنستقبل العيد المقبل بوجود جسدي ووضع مشابه. حلمي أن نكون أجمل وأحسن على مستوى الروح والطموح وأوراق التفاؤل، وإن كنت واحداً من الذين جرفتهم التكنولوجيا وحرمتهم لذة العيد، لكن قد تحرك أسطر هذا المقال شيئاً من ذكريات مضت، وتعيد البياض الحقيقي لصباحات العيد. [email protected] alialqassmi@