أتناول أسطر الحديث ويكون «يوم الحب» قد انتهى مساء ما قبل البارحة، بكل ما فيه من تبذير على مستوى المال والمظاهر فقط، أما المشاعر الحقيقية والصادقة فتبقى معادلة مستعصية على الحل، ما دمنا حصرنا موسوعة الحب في يوم وحيد واحد نمارس فيه هدراً عشوائياً، وطقوساً غبية غريبة تحتاج لإعادة تقويم لشخصياتنا المتناقضة. أنا هنا لم أقل «عيد الحب» حتى لا أتهم بتمجيده وتنصيبه عيداً حقيقياً خلاف العيدين الكبيرين الجميلين الحقيقيين، فما أسهل أن نحتفل بأي شيء حتى ولو لم نعرف عنه إلا الهوامش من الحدث، لأننا مهووسون حد الجنون بكل ما يحرك العلامات الساكنة في علاقاتنا ويوقظ كل المشاعر النائمة في أجسادنا، ويبدل خيام السكون والجمود التي نستوطنها زمناً طويلاً بقصور من التوازن العاطفي حد الارتواء. يوم الحب، أو موت الحب، فهما متشابهان ما دمنا نحدد لمشاعرنا وعواطفنا يوماً واحداً لأشياء يستحيل أن نجرؤ على تحريكها طيلة العام مع من يستحقها، لا بشكل البعثرة الطائشة التي يمارسها أهل يوم الحب. وإذا حددنا الحب بالساعة والدقيقة فنحن نستدرج الذاكرة والمشاعر والجسد والأحاسيس لتوقيت ثابت، أي بانتهائه تتوقف كل خطوات استدراجنا، وللاستدراج قصة، فهو لما نشعر في قرارة أنفسنا أنه خطأ من الوريد للوريد على صعيد التصرف والتفاعل. أعرف كم نحن مشحونون ممتلئون وربما فارغون حين أشاهد كل أنماط احتفالاتنا في مناسبات تمر علينا بشكل دائم، وإحالتنا كل حيثياتها لجنون وهدر وتبذير وإزعاج وبلبلة وفوضى وقلق، وفوق كل هذا نحصر «كرنفال الحب» في هدايا وملابس ووجوه جميعها مطلية ومصبوغة بلون موحد وحيد! يخجل الواحد منا أن يهدي زوجته ذات صباح قبلة تستحقها، فيما تتراجع الزوجة عن إهداء زوجها وردة حمراء أو بيضاء أو زرقاء لحصرية الحب في أذهاننا، ولن أؤمن أن يكون للحب يوماً لون مميز ما دمنا نسير مع أي تقليد من دون أن نلقي بالاً له، ولو اختار الآخرون لوناً أسود مطلياً بالأحمر والأصفر والأخضر لمارسنا معه كل هذه الطقوس، وابتدعنا واخترعنا كل مزعج مفزع لا كل مبهج مبدع. حين يحتضن إنسان والده أو يقبل يد أمه أو يجالس أخته دقائق معدودة بمفردات استثنائية لها طعم خاص ولا يشترط لها لون معين، يعتبر ذلك نقصاً في الذات وتنازلاً في الشخصية، ولكن راقبوا مثل هذا الإنسان يوم الحب، وانظروا ماذا يصنع؟ وكمية الخسارة التي يتكبدها قلبه وجيبه لمن لا يستحق بالطبع! لأن الأمر كما يقول المثل الشعبي «مع الخيل يا شقرا». لم ولن يُضْطَر إلى فرض قيود صارمة على عاشقي القلوب والورد الأحمر، إلا لأنها خرجت من دائرة استعادة الحب المفقود إلى الفوضى الصاخبة في وأد الحب، ولو وزعنا العشق والحب بالتساوي على أيام الزمن الجميل، لما كانت الضرورة مستدعية لأن يُعْتقل اللون الأحمر المغلوب على أمره تحديداً في هذا التوقيت. على الأقل لنمارس الحب بلا ألوان، وفتشوا بعقلانية أين ذهبت معظم الورود الحمر وكل ما خف وزنه وغلا ثمنه بضيافة الأحمر؟ أتحداكم أن تجدوا وردة صغيرة ذهبت ليد أم أو أب وحتى مستحق علناً وعقلاً ومنطقاً، وقبل فاصل التحدي الأخير هاتوا لي السبب الخفي وراء ازدواجية الاحتفال والتنفس العشوائي لجيل نشاهده وجهاً لوجه؟ والأهم: لماذا يستغل أحدنا أي فسحة ليكشف مخازنه الهائلة من الحب والعاطفة! [email protected]