لكي تستنشق عمق الأجواء الرمضانية وتعيش لحظاتها بروحانية في جدة، لابد أن تزور المنطقة التاريخية المعروفة شعبياً باسم «البلد» التي تسيطر عليها المظاهر الرمضانية المعروفة من بيع للأطعمة الشعبية على رأسها الكبدة، والبليلة، وحتى تتعلم خلال هذه الزيارة كيفية تناول الطعام واقفاً، وفي الهواء الطلق. حين تطأ قدمك ساحة البلد تجد الكثير من المرحبين بك يدعونك لتناول وجبة في مطعمهم بعبارات مختلفة وجميلة، فأحدهم ينادي «يواد تعال وذوق الكبدة لا تفوتك»، والآخر «القمبري والكبدة سحورك ياصايم». والقائمون على تلك المطاعم، وبالأخص من كانوا من فئة الشباب، لم يدفعهم البحث عن المال بقدر رغبتهم في العمل خلال الشهر الكريم علاوة على عيش تلك الأجواء الرمضانية هناك. وأحد معلمي الكبدة في المنطقة التاريخية، والذي فضل عدم ذكر اسمه، تفاجأ حين تعرف أن مهنته الأساسية مهندس، لكنه في رمضان يخلع قبعة المهندس حتى يرتدي عمامة الرأس الحجازية، والملابس الأخرى، للخروج من بعد صلاة العشاء حتى ساعات فجر اليوم الجديد في ساحة شارع قابل لبيع البليلة، ويلفت الانتباه باستعراضه باللعب بالكبدة أثناء طبخها في الصاج. ويبرز معلم أسري مهم في مثل هذه الأيام من رمضان في ظل تركيز الأسر المكونة من النساء والأطفال على الحضور إلى المنطقة التاريخية، لتجربة تناول الطعام سواء كانوا واقفين أو جالسين، والأهم بالنسبة لديهم مشاهدة الناس التي تضفي للطعام شهية ومتعة أكبر. ويقول المواطن سلمان الدخيل ل «الحياة» إن تناول وجبة السحور هنا أمر مختلف للشعور بالأجواء الرمضانية المختلفة جداً، موضحاً أن البساطة في هذا المكان وبشاشة وجوه الناس تنعكس كثيراً على الحالة النفسية «وتجعلنا نشعر بسعادة كبيرة». فيما جاء المواطن سعيد الغامدي إلى «البلد» مصطحباً أسرته لتناول وجبات السحور للاستمتاع بالأجواء المصاحبة لتناول الطعام. ويقول الغامدي «الجميل هنا بساطة المكان وكذلك أصوات الموجودين فهو أمر يبعث في صدورنا السعادة، وأعتقد أن وجود هذه المطاعم بجانب الأسواق أمر أسهم في زيادة أعداد مرتاديها، إذ تمكن الزائر أو المتنزه من ضرب عصفورين بحجر واحد فالتسوق بأسعار معقولة وتناول وجبات شعبية حجازية، علاوة على السعادة التي نشعر بها عندما نأكل بطريقة غير تقليدية، كالأكل في الهواء الطلق على سبيل المثال». ويرى الغامدي أن وجود أماكن مخصصة للعائلات وكذلك للشبان أمر زاد في استقطاب الكثير من الزبائن لهذه المطاعم. ولا تختلف الحال مع المواطن فهد الحارثي الذي جاء هو الآخر بأسرته للمنطقة التاريخية لشراء مستلزمات العيد وإنهاء جولات التسوق بتناول وجبة السحور، والتي اكتشفت «الحياة» أنها زيارته الأولى لهذه المنطقة التي ينتظر أن تسجل قريباً في قائمة التراث العالمي الإنساني في منظمة اليونسكو. ويضيف «جئت وأسرتي لزيارة المنطقة التاريخية التي أسمع عنها كثيراً، ولم أتوقع هذه الحيوية والانتعاش الذي تعيشه المنطقة، وعندما أرى أبناء البلد يقومون بالطبخ وتقديم الطعام وتنظيف الطاولات اشعر بفخر وسعادة وارتياح، كما أنني أحاول تشجيعهم للاستمرار على ذلك».