تواصلت الاشتباكات والقصف المدفعي على حلب، بخاصة في الأجزاء الشرقية من المدينة ما أدى إلى فرار عدد كبير من المدنيين نحو الحدود التركية حاملين بضعة أمتعة وعلباً محملة بالأغذية استطاعوا نقلها. ووسط مد السلطات السورية لعملياتها في أنحاء جديدة من حلب، ونقص الدعم الدولي هدد معارضون في المدينة، باللجوء إلى تنظيم القاعدة طلباً للمساعدة في حال بقي الغرب على رفضه إرسال أسلحة لهم من أجل التصدي لقوات النظام. في موازاة ذلك استمرت عمليات الجيش في دمشق وريفها. وقتل 31 شخصاً صباح أمس في قصف واشتباكات في حلب حيث تدور معارك ضارية بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين للسيطرة على هذه المدينة الواقعة في شمال سورية، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقال المرصد في بيان إن ستة مواطنين بينهم طفلان وامرأة قتلوا في قصف تعرض له حي الشعار في شرق المدينة، في حين قتل عشرة أشخاص على الأقل في قصف على حي قاضي عسكر في شرق المدينة أيضاً، مشيراً إلى أن عدد هؤلاء «مرشح للارتفاع بسبب وجود عشرات الجرحى بعضهم بحالة خطرة». وذكرت الهيئة العامة للثورة السورية أن القصف على حي قاضي عسكر أصاب «تجمع مواطنين أمام فرن أثناء انتظارهم للحصول على الخبز»، وأن بين القتلى «العديد من الأطفال والرجال المسنين». وأرفقت الهيئة خبرها بشريط فيديو عن القصف يظهر جثثاً في الطريق تسبح في برك من الدماء، ويصعب تبين وجوه أصحابها. وشمل القصف أيضاً أحياء الفردوس والشعار والصاخور والسكري والأنصاري وطريق الباب، وكلها أحياء تقع في شرق العاصمة. ووقعت اشتباكات في محيط دوار الجندول القريب من وسط المدينة، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن ثمانية عناصر من القوات النظامية، بحسب المرصد. كما تستمر الاشتباكات في حيي صلاح الدين (جنوب غرب) وسيف الدولة (غرب) اللذين دخلتهما القوات النظامية، وتشهدان معارك كر وفر وحرب شوارع بين الطرفين. وفي مواجهة القصف العنيف الذي تشنه طائرات النظام، يتدفق مئات اللاجئين السوريين إلى الحدود التركية. وقال أبو علاء أحد سكان مدينة أعزاز في ريف حلب: «سئمت. لا يجب أن يعيش أحد خوفاً مماثلاً. كيف يمكن لأطفالي أن يناموا إذا لم نرحل؟». وأسفرت غارات جوية على هذه المدينة التي تعد 70 ألف نسمة وتسيطر عليها المعارضة المسلحة إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، وتم نقل مئة مصاب على الأقل إلى المستشفيات التركية. وبحسب مصدر رسمي تركي، فقد توفي حوالى 15 شخصاً منهم متأثرين بجروحهم. كما تم تدمير حوالى عشرة منازل وفق مراسلي فرانس برس في المكان. وتصطف عائلات بأكملها في طوابير طويلة عند معبر كيليس في تركيا. وقال أبو علاء: «لم أر يوماً أمراً مشابهاً»، محاولاً جمع أطفاله وأفراد عائلته داخل شاحنته الصغيرة. إلا أن آخرين لم يحظوا بفرصة الحصول على سيارة واضطروا إلى اجتياز مسافة ال15 كلم التي تفصل أعزاز عن الحدود سيراً على الأقدام. وقالت امرأة رفضت إعطاء اسمها «كان ذلك مجزرة، تم القضاء على عائلة بأكملها مثل عائلتي». وتقع أعزاز على بعد حوالى 50 كلم من مدينة حلب، ثاني أكبر المدن السورية والعاصمة الاقتصادية للبلاد، حيث يتمركز مقاتلو المعارضة المسلحة. واستهدف القصف على الأرجح مباني استخدمها مقاتلو «الجيش السوري الحر» المؤلف من جنود منشقين ومقاتلين مدنيين، بحسب المرصد السوري ومنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية التي تمكن محققون فيها من التوجه إلى المنطقة سريعاً. إلا أن الحي المتضرر «هو منطقة مدنية. كل هذه المنازل كانت تعج بنساء وأطفال كانوا نائمين خلال صيام رمضان»، وفق أبو عمر الذي يعمل مهندساً ويبلغ 50 سنة، وهو أحد الشهود على القصف. وبحسب هيومن رايتس ووتش التي تحدثت عن حصيلة من حوالى أربعين قتيلاً، فإن عدداً كبيراً من الضحايا هم من النساء والأطفال. وأكدت انا نيستات مديرة أعمال الطوارئ في هيومن رايتس ووتش أن «هذا الهجوم المروع قتل عدداً كبيراً من المدنيين ودمر مجمعاً كاملاً من المنازل»، مضيفة: «مجدداً، الحكومة السورية شنت هجوماً من دون أي اعتبار لحياة المدنيين». ووصلت سامية، وهي امرأة منقبة، لتوها إلى الحدود مع خمسة من أبنائها. وقالت: «زوجي وابني البكر بقوا هناك. أحدهما يراقب المحل والثاني يقاتل. إلا أننا اضطررنا إلى المغادرة لأننا نعلم أن الأسد يقتل النساء والأطفال». وقال مصدر تركي رسمي إن العديد من المدنيين السوريين الذين أصيبوا في قصف جوي لبلدة أعزاز قرب حلب يتم علاجهم في تركيا. ونقل ما لا يقل عن مئة مصاب، بعضهم يعاني من حروق خطرة، إلى كيليس في جنوب تركيا حيث أودعوا المستشفى، بحسب المصدر ذاته. وهدد معارضون في حلب، باللجوء إلى تنظيم القاعدة طلباً للمساعدة في حال بقي الغرب على رفضه إرسال أسلحة لهم من أجل التصدي لقوات النظام. وقال أبو عمار أحد قياديي المقاتلين المعارضين في باب النصر بوسط حلب «لا نريد القاعدة هنا، لكن إن لم يساعدنا أحد سوف نتحالف معهم». وتابع «أراهن على أنه إذا ما جاء هؤلاء المقاتلون إلى هنا، فسوف يقومون بغسل دماغ للسكان. وإذا دخلوا حلب، ستصبح المدينة قاعدة لهم في ثلاثة أشهر فقط». وتطالب المعارضة بفرض «منطقة حظر جوي» على غرار ما جرى في ليبيا عام 2011 عند اندلاع الثورة ضد نظام معمر القذافي، أو بإرسال أسلحة إلى مقاتلي الجيش السوري الحر المؤلف من منشقين عن الجيش النظامي ومدنيين مقاتلين والذي يعاني من سوء التجهيز والتسليح أمام القوات النظامية. وقال أبو عمار وهو قيادي معارض آخر إن النظام «يملك أسلحة كيماوية يمكنه استخدامها. لديه دبابات وطائرات ومدافع هاون وصواريخ، ونحن ليس لدينا شيء». وأفادت تقارير في الأشهر الأخيرة عن وصول جهاديين إلى سورية عبر تركيا، غير أن العديد من المقاتلين والخبراء أكدوا أن القاعدة غير موجودة في سورية كقوة منظمة. والتقى صحافي في وكالة فرانس برس في تموز (يوليو) في حلب مقاتلين أجانب أكدوا أنهم قدموا من الجزائر والشيشان وفرنسا والسويد. كما التقى صحافي آخر في فرانس برس مقاتلين عرب بينهم سعوديون عند مركز حدودي بين تركيا وسورية. وقتل محام تركي يدعى عثمان قرهان ملاحق في بلاده لاتهامه بالارتباط بالقاعدة في معارك في حلب. وقال براء الحلبي الناشط في حلب إن «الهدف الرئيسي هو وقف إراقة الدماء في حلب. وإذ لم يساعدنا الغرب ولا العرب، فسوف نطلب من القاعدة أن توقف حمام الدم هذا»، مؤكداً أن هذا النوع من التحالف لن يكون سوى موقتاً. وأضاف: «يعود لسكان حلب في نهاية المطاف أن يقرروا مستقبلهم. والشعب الذي انتفض وقاتل طاغية مثل بشار الأسد سيكون بوسعه في ما بعد أن يقاتل القاعدة». وفي ريف دمشق، تعرضت مدينة التل لقصف من القوات النظامية السورية التي دخلت مناطق فيها أمس، وذلك بعد أيام طويلة من القصف والاشتباكات. وعثر على خمسة سائقين قتلوا فجراً في صحنايا في ريف دمشق على أيدي مجهولين. وفي دمشق، تعرض حيا العسالي والتضامن (جنوب) لقصف من القوات النظامية تسبب بسقوط عدد من الجرحى، كما سقطت قذائف على البساتين المحيطة بحي المزة (غرب) الذي شهد أول من أمس اشتباكات عنيفة تسببت بسقوط عشرة قتلى. وعلى رغم سيطرة القوات النظامية على مجمل أحياء العاصمة، تتكرر المواجهات بينها وبين مجموعات مسلحة معارضة في بعض الأزقة والشوارع. وقتل 172 شخصاً أول من أمس في أعمال عنف في مناطق مختلفة بينهم 35 على الأقل في قصف جوي نفذه الجيش السوري على مدينة أعزاز في ريف حلب قرب الحدود التركية، كما أفاد المرصد السوري.