كل المؤشرات الاقتصادية الاميركية في الأسابيع الأخيرة يشير الى تحسن، بعضه طفيف، في قطاعات أساسية، فأسعار العقار ارتفعت، والصادرات الاميركية زادت، وعدد الذين يقبضون تأمينات البطالة هبط، كما أوجد الاقتصاد الاميركي 163 ألف وظيفة جديدة. رأي غالبية مراقبي سير الانتخابات الاميركية، وأنا منهم، أن الاقتصاد، قبل أي عامل آخر، داخلي أو خارجي، سيحسم معركة انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، ما يعني أن باراك اوباما سيفوز بولاية ثانية إذا استمر الاقتصاد الاميركي في التعافي، وسيخسر إذا انتكس. أقول هذا ثم أسجل تحفظاً، فبما أن تحسن الاقتصاد محدود، فإن المرشح الفائز هو الذي يستطيع أن يقنع الناس بموقفه، أي أن اوباما يجب أن يجد غالبية تقول مثله إن الاقتصاد تحسن ليفوز ثانية، وأن منافسه ميت رومني يحتاج الى إقناع الناس بأن الأرقام الايجابية ليست صحيحة لينحازوا اليه. هناك أكثر من شهرين بين الأرقام الأخيرة للاقتصاد، والثلثاء الأول في تشرين الثاني (نوفمبر) عندما يصوّت الاميركيون، ولا ضمانة لاستمرار التحسن، ولا معلومات مؤكدة تقول إنه سينتكس، فالأفضل ألا نتكهن بشيء، وأختار شخصياً أن أذكّر القارئ العربي بعنصر سبق أن أشرت اليه في حديثي عن الانتخابات الاميركية، هو «مفاجأة أكتوبر»، فقد يسعى طرف في الحكومة أو خارجها لخلق وضع جديد يقلب الانتخابات رأساً على عقب. بما أنني أتابع الانتخابات الاميركية من زاوية المصالح العربية، زاوية حمايتها من سيطرة اسرائيل وأنصارها في الولاياتالمتحدة على السياسة الخارجية الاميركية، فإن المفاجأة الوحيدة التي أستطيع أن أفكر بها هي ضربة عسكرية اسرائيلية للمنشآت النووية الايرانية، وهل تتدخل إدارة اوباما الى جانب اسرائيل لتُسكِت عصابة الحرب، أو تبقى خارج المعركة فتُعطي خصوم اوباما فرصة لتوزيع ألف دعاية تقول أن اوباما «مسلم سرّي»، وأنه لم يولد في الولاياتالمتحدة، وأنه متواطئ مع الإخوان المسلمين الذين بدأوا يتسللون الى أروقة الحكم في واشنطن. هذه الدعايات مهمة في ولايات لا يتمتع فيها أي مرشح بغالبية واضحة، مثل كولورادو وفرجينيا ووسكنسن، غير أن المشكلة الأخرى هنا هي ضعف شعبية اوباما وسط البيض من الطبقة العاملة، لذلك قرأت أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون سيلقي خطاب الافتتاح في مؤتمر الحزب الديموقراطي في تشارلوت كارولاينا الشمالية. الاستطلاعات كافة تقول إن كلينتون لا يزال يتمتع بشعبية عالية وسط البيض من الطبقة العاملة، لذلك فهو قد يقنع بعضهم بأن اوباما يفهم مشاكلهم ويحاول مساعدتهم. ولا بد أن إعلان رومني اختيار النائب بول ريان لخوض الحملة معه نائباً للرئيس، هدفه سد الثغرات في حملته الانتخابية، فهو يزعم أنه أكثر خبرة في الاقتصاد، لنجاحه الشخصي، ويرد عليه الديموقراطيون بأن سجله أظهر أنه عدو الإنسان العامل البسيط، أي غالبية العاملين. وريان اختصاصه الاقتصاد ويرأس لجنة الموازنة في مجلس النواب. غير أنه من دون خبرة سياسية واسعة خارج ولايته وسكنسن. الاميركيون الذين يعرفون ريان يعرفون جيداً أنه محافظ أكثر من رومني نفسه ويريد تقليص حجم الحكومة وتحويل كثير من مهماتها الى الولايات، وهو يُعتَبر من صقور الميزانية، وله مواقف ضد الإجهاض، وتشديد الحراسة على حدود الولاياتالمتحدة لمنع تدفق المهاجرين واللاجئين. شخصياً أشعر بأن اختيار رومني نائباً له من نوع بول ريان هو في سوء اختيار جون ماكين سارة بيلين. في مقابل الخلاف على الاقتصاد وهل تحسن أو لا، ومَن المسؤول عن الأزمة المالية المستمرة أصلاً، هناك وضوح في المواقف ازاء اسرائيل ومصالحها التي يقدمها معظم السياسيين الاميركيين على المصالح الاميركية نفسها. اوباما ورومني يؤيدان اسرائيل، غير أن أنصارها يرون أن رومني يؤيدها أكثر من اوباما، وكلهم تقريباً في صفه، ويزعمون أن للرئيس أجندة سرية مع العالم الإسلامي ضد اليهود. شخصياً أجد الفرق بين الرئيس الحالي ومنافسه قليلاً، حتى أنه غير موجود، فالاثنان يدعمان حكومة بنيامين نتانياهو، وهي عنصرية مجرمة، وكلاهما معها ضد ايران، التي لا تهدد اميركا إطلاقاً، ومواقفهما متماثلة من المستوطنات والدفاع عنها، والعملية السلمية وغيابها، أو تغييبها. وإذا كان رومني أعلن أنه يريد نقل السفارة الاميركية الى القدس، فهذا ما فعله كل مرشح للرئاسة قبله ثم لم ينفذ وعده بعد دخول البيت الأبيض، وباراك اوباما أصلاً قال في مؤتمر لوبي اسرائيل (آيباك) إنه يعتبر القدس «العاصمة الأبدية» لإسرائيل. بكلام آخر، مرشحا الحزبين الديموقراطي والجمهوري يختلفان على كل شيء ثم يتفقان علينا، ولا ألوم أياً من الرجلين، فكل منهما يريد الفوز، وإنما ألوم الدول العربية التي تمسك بمستقبل الاقتصاد العالمي، لا أطلب أن تبتزَّ اميركا أو اوروبا أو غيرها، وإنما أن تعمل لمصلحتها لا مصلحة «الخواجات». هل هذا كثير؟ سأسمع الجواب يوماً، ولكن بعد فوات الأوان كالعادة. [email protected]