تشهد ولاية ايوا اليوم الانتخابات التمهيدية الأولى لاختيار مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة ضد باراك أوباما، واستطلاعات الرأي العام تظهر أن الطبيب رون بول، عضو الكونغرس عن ولاية تكساس، يتقدم المرشحين الآخرين، بعد أن كان نيوت غينغريتش الأول قبل أسابيع فقط، وقبله ميت رومني العائد إلى المقدمة، وأيضاً ريك بيري قبل أشهر. رون بول مرشح جدلي جداً، وكنت فضلته على جميع المتنافسين الجمهوريين الآخرين على الرئاسة من دون أن أتوقع أن يتقدم كثيراً، فهو قبل كل شيء معارض لحروب أميركا، خصوصاً الحرب على العراق، وهو Libertarian، وهي كلمة أرجو القارئ العربي ألا يخلطها بكلمة ليبرالي، ففي المفهوم السياسي الأميركي تعني تقليص تدخل الحكومة الفيديرالية في شؤون الولايات ومعارضة أحلام الإمبراطورية. بصراحة ومن وجهة نظر العرب والمسلمين، أعتقد أن أوباما سيكون رئيساً أفضل لنا في ولاية ثانية مما رأينا منه في ولايته الأولى. ولكن إذا كان جمهوري سيهزمه فإن رون بول يبقى أفضل الموجود في ساحة المنافسة، مع أنني أشك كثيراً في أن يفوز بترشيح الحزب الجمهوري، فهو لا يمثل فكره الذي أصبح قصراً على تحالف الصناعة والعسكر، ما يعني مزيداً من الحروب الخارجية. ثم إن هناك إسرائيل واللوبي والليكوديين الأميركيين الذين يخونون بلادهم كل يوم بتقديم مصالح إسرائيل على مصالحها، وصعود رون بول في الاستفتاءات أطلق حملة مسعورة على رجل يعارض الحروب، فاْتهِمَ فوراً باللاسامية، ونشرت الصحف رسائل تُنسب إليه يعود بدؤها إلى نهاية الثمانينات، وفيها حملات على السود الأميركيين، وتحديداً داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كنغ، وعلى إسرائيل واللوبي. ربما وجدنا مرجعاً أكثر صدقية عن أفكار عضو الكونغرس هذا في كتاب عنوانه "تعريف الحرية" ففيه يقول إن الفلسطينيين يتعرضون لظروف أبارتهيد (تفرقة عنصرية) على يدي إسرائيل، ويزيد أن الصحف الإسرائيلية نفسها تتحدث عن الموضوع، إلا أنه ممنوع في الميديا الأميركية، كما انه يهاجم اللوبي (ايباك)، ويُفضّل عليه اللوبي اليهودي المعتدل "جاي ستريت"، وجماعة السلام الآن، والمجلس الأميركي لليهودية الذي يعارض الصهيونية وقيام وطن قومي لليهود. إذا فاز رون بول في ايوا فالكاسب الأكبر سيكون ميت رومني الذي تقدم عليه غينغريتش الشهر الماضي قبل أن تلحق به فضائحه وتعيده إلى الصفوف الخلفية. وكان منافسوه وجدوا مادة خصبة في ماضيه الشخصي والسياسي فشنوا ضده حملة دعاية بملايين الدولارات أدت إلى إقناع غالبية سكان الولاية بما نعرف جميعاً من انه داعية حرب بلا أخلاق، ودجال محترف. وهو من الحمق أنه اعتقد أن دخوله حلبة المنافسة في ايوا مضمون، وأهمل تأمين أصوات كافية تدعم ترشيحه، فكانت النتيجة انه خرج من المنافسة الرسمية واسمه ليس على قوائم المتنافسين. ميت رومني يظل مرشح القيادة الجمهورية، وهو وصف رون بول بأنه خطر على الأمن القومي الأميركي، في حين أن مواقع اللوبي وصفته تحديداً بأنه خطر على إسرائيل، والمعنى أنه يعارض حروباً يُقتل فيها أميركيون خدمة لإسرائيل. اليوم هذا لن ينقضي حتى نعرف إن كان رون بول سينتزع نصراً ما كنت أتصور قبل شهر فقط أنه قادر عليه، وأنظر إلى حملته في الولاية وأجد مجموعة تناقضات فهو أكبر المتنافسين الجمهوريين سناً (76 سنة)، إلا أن أنصار حملته هم الأصغر سناً، وقد تدفق على الولاية مئات الطلاب من الولايات الأخرى لدعمه، وأمرتهم قيادة حملته بحلق الذقون والاستحمام وتجنب ظهور وشم على أجسادهم وغير ذلك، حتى لا ينفروا الناخبين. في كل الأحوال، ايوا وحدها لا تقرر مرشح أي حزب، وهناك انتخابات تمهيدية أخرى قادمة هذا الشهر، في وايومنغ ونيو هامبشير وميشيغان، وأهم منها جميعاً ما يُعرف باسم "سوبر ثلثاء" الذي يوافق السادس من آذار (مارس) عندما تجرى الانتخابات التمهيدية في 19 ولاية للحزبين الجمهوري والديموقراطي. ومعها ثلاثة انتخابات تمهيدية للديموقراطيين فقط وانتخابان للجمهوريين فقط. وسيعلن الحزب الجمهوري اسم مرشحه في المؤتمر الوطني للحزب في 27 آب (أغسطس) القادم، في تامبا، في ولاية فلوريدا. أريد أن يكون المرشح النائب من تكساس رون بول، إلا أنني لا أتوقع ذلك. [email protected]