هل تؤسس المهرجانات السينمائية اللبنانية قاعدة جماهيرية تزداد يوماً بعد يوم، أم إن الحضور يقتصر فقط على المهتمين؟ وعلى أي أساس يتم انتقاء الأعمال المشاركة ولجان التحكيم؟ أسئلة باتت مشروعة، بعدما تزايد عدد المهرجانات في لبنان، فيما يشهد الفن السابع حراكاً ملحوظاً على صعيد الإنتاج. والواضح أن بعض المهرجانات بات يستقطب جمهوراً جديداً نظراً إلى جدية هذا البعض في اختيار الأفلام المشاركة، وعمله الدؤوب على تشجيع الجيل الجديد، والاعتماد على تكثيف الترويج الدعائي والإعلاني، ولكن هذا «التطور» الملحوظ يبقى ضمن العاصمة اللبنانية، ولا تتأثر به المناطق البعيدة التي تفتقر غالبيتها إلى قاعات العرض. ومن النشاطات الملحوظة واللافتة التي انطلقت مطلع الشهر الجاري، مبادرة «مترو المدينة» لعرض أربعة أفلام تحريك عالمية تركت بصمتها على هذا الفن وهي: «شيكو وريتا» (2010) من إخراج فرناندو تروبا وخافيير ماريسكال، «كلبي توليب» (2009) للمخرجين ساندرا وبول فيرلنجر، «نوزيكا من وادي الريح» (1984) للمخرج هاياو ميازاكي، (ويعتبرالعمل أحد أفضل أفلام التحريك اليابانية)، و«قبر اليراعات» (1988) للياباني إيزاو تاكاهاتا. وتشهد بيروت الخميس المقبل، انطلاق الدورة العاشرة من «مهرجان الفيلم اللبناني» في صالة متروبوليس، بمشاركة 27 فيلماً، 11 عملاً منها من خارج المسابقة. المهرجان الذي غاب السنة الماضية لأسباب مادية، يعود بأعمال تتنوع بين الوثائقي والتجريبي والتحريك والروائي، غالبيتها لمخرجين لبنانيين، أو مخرجين أجانب يتناولون في أعمالهم لبنان. إذاً، سيطرح الموضوع اللبناني من وجهات نظر مختلفة تتوزع على أعمال من البرازيل والأرجنتين وفرنسا والولايات المتحدة، إضافة إلى وجهات النظر المحلية. وتتألف لجنة التحكيم من المؤلف والموزع الموسيقي إبراهيم معلوف، والسينمائية الأرمنية سوزان خردليان، والناقد في مجلة «لوموند» الفرنسية كريستوفر دونير، والمصور ومخرج الأفلام الوثائقية زياد عنتر. ويفتتح المهرجان فيلم «خلفي شجر الزيتون» لباسكال أبو جمرا الذي يروي معاناة أبناء عائلات لبنانية فرّت إلى إسرائيل، وصعوبة اندماجهم في مجتمعهم المحلّي بعد عودتهم إلى لبنان، فيما تُختتم الاحتفالية (26 الجاري) ب «أولاد المدينة الجميلة» للمخرج أصغر فرهادي الذي يعتبر واحداً من أهم رموز السينما المستقلة في إيران. وسيعرض خلال المهرجان وثائقي عن الراحل غسان تويني أخرجه فيليب عرقتنجي، ولقاء مع المخرجة نادين لبكي سيكون مباشراً مع الجمهور من دون مقدمات أو تعريفات بناء على طلبها، إضافة إلى طاولة مستديرة حول الصورة والخيال في السينما، تضم بيار أبي صعب وسيمون الهبر وجيرار بجاني، ولقاء حول الرقص والسينما تشارك فيه الممثلة كارولين حاتم ومصمم الرقص وليد عوني. وكانت إدارة المهرجان قد طلبت في سياق التجديد من المخرج غسان سلهب اختيار أعمال مهمة تُغني المشاهد، وتكون قادرة على خلق نقاش بين الجمهور، فاختار وثائقيين عن ثورة السود في أميركا. وفي السياق ذاته، اختارت المخرجة جوسلين صعب فيلماً وثائقياً لوليد عوني عن المغنية حبيبة مسيكة، وهو مصوّر بسرعة الصورة الخاصة بعام 1920. وتعتبر مسيكة أحد أبرز مغني وممثلي النصف الأول من القرن العشرين في تونس. من بين ما يعرض فيلم «البلد الحلم» (85 دقيقة) للمخرجة اللبنانية جيهان شعيب المقيمة في المكسيك، تعود الأخيرة مع مجموعة من اللبنانيين المغتربين، أو من تطلق عليهم صفة أطفال الحرب للبحث عن البلد الحلم، وعن أرض جوهريّة داخليّة بعيدة المنال كبُعد الطفولة. ويتأرجح كلّ من هؤلاء بين الرقة وعنف المجازر، فيحاولون جمع واستعادة القوى التي قولبتهم وشكّلتهم ونحتت شخصيّاتهم، حتى يحصدوا الحرية ليعيدوا بناء هويّاتهم. وفي «تاكسي بيروت» (51 دقيقة) لهادي زكاك، نرى بيروت مدينة الفوضى والإعمار والدمار، من منظار ثلاثة سائقي تاكسي من أجيال مختلفة. فيما يروي «شلوق» للمخرج والكاتب والمنتج اللبناني الأميركي هشام بزري، حكاية رجل يعاني اضطراباً دائماً. وترافقه حالة أرق متواصل فلا يعرف طعم النوم. تسافر أفكاره هائمة في أصقاع الصحراء الشاسعة، فتجبره على رؤية نفسه عاجزاً مقيّداً، وضعيفاً أمام غموض أفكاره. وإذ بمرارة شلله وقسوته ووحشيّته، تطبق على روحه، وتحوّل حياته إلى مأساة عميقة. وفي ظل هذا التنويع السينمائي، يبقى السؤال الأبرز، هل سيُسجل المهرجان خرقاً على صعيد الجمهور؟