في أعقاب الحروب العرقية التي نشبت في البلقان بين الصرب والبوسنيين والكروات وغيرهم في تسعينات القرن الميلادي الماضي، التي تشظت على إثرها دولة «يوغسلافيا» إلى دول عدة، تهافت بعض «سمان» العربان للفوز بأرامل وبنات القتلى المسلمين في البوسنة والهرسك بحجة «الستر على الولايا» عبر صفقات بخسة الثمن بيعت فيها الفتيات الشقراوات المستضعفات بالجملة في سوق نخاسة عصرية لكنها «شرعية» تحت صيغة «زواج الإنقاذ»... حدث ذلك طبعاً قبل ظهور صيغ «المسيار والمسفار والمبعاث» وغيرها من الاختراعات التي ابتكرتها جموع «العرب الساترة»، وهو الأمر الذي يتكرر وبالصورة نفسها اليوم في مكان آخر من العالم، إذ استغل شيوخ أو «سماسرة» تسويق المستضعفات الأوضاع المريرة التي تمر بها سورية ولاجئوها في الأردن وتركيا، وبدأوا في الإعلان عن بضاعتهم المكونة من أرامل وبنات وأخوات الشهداء، داعين فرسان «العرب الساترة» لاغتنام الفرصة والفوز بالأجر من خلال الزواج بهن لسترهن وإنقاذهن من الأوضاع المأسوية التي يعشنها، بحسب زعم المسوقين. في شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» نشر أحدهم إعلاناً عن وجود نحو 375 امرأة من أرامل وبنات وأخوات الشهداء السوريين معروضات في سوق «زواج الإنقاذ»، تحت إشراف «شيخ» في إحدى مناطق السعودية، ولم ينس المعلن أن يذيل إعلانه برقم هاتف ذلك الشيخ «السمسار»، داعياً الله أن يحميه من دعاء الزوجات السعوديات اللاتي سيتسابق فحولهن الأشاوس للفوز بأجر «ستر الحريم»، ولا أعلم إن كان ذلك الشيخ يعرض بضاعته عبر «كاتلوجات» قبل البيع، أم أن الصفقات التي يعقدها تتم على «العمياني»، كما يُقال في اللهجة الدارجة، لكن الأكيد أن صناديد العرب الساترة لن يفرق معهم الأمر، فالأهم لديهم هو الفوز بالأجر ولو كان يمر عبر «غرف النوم». الغريب أن عشرات الآلاف من المسلمات اللاتي لم يعد لهن عائل بعد أن فقدن أزواجهن، وربما جميع ذكور أسرهن في المجاعات التي ضربت بعض دول أفريقيا، لم يجدن التفاتة حانية، أو أي بادرة إنقاذ من الباحثين عن أجر «ستر الحريم»، ومن غير الواضح إن كان لدى شيوخ وسماسرة «سوق الإنقاذ» أي خطط مستقبلية لإنقاذهن بعد تصريف بضاعتهم الحالية، هذا طبعاً إن لم تكن هناك مواصفات ومقاييس خاصة لبضاعة هذه السوق لا تنطبق على «السمراوات النحيلات» من بنات حواء. إن ما يحدث في سوق النخاسة «المشرعنة» لتلبية شهوات بعض المرضى المتسترين بشعارات دينية وإنسانية يكشف أن تجار الحروب ليسوا فقط أولئك الذين يصنعون ويبيعون الأسلحة للأطراف المتقاتلة، بل إن أرخص وأجبن تجار الحروب هم من تفرغوا لصنع وبيع الشعارات التي تهدف في نهاية المطاف للاتجار بالبشر، والتنفع من دماء القتلى بأقصى درجة ممكنة، حتى يصبح صوت كل رصاصة قاتلة في مكان، إعلاناً ل«ليلة دخلة» في مكان آخر، و«الحسابة بتحسب». [email protected] @Hani_AlDhahiry