في مساء يوم السادس والعشرين من شهر تموز (يوليو) عام 1842 ولد لأسرة متوسطة الحال في مدينة لندن صبي سماه والداه ألفرد. وكان أمل والديه المتدينين أن يكون اسم الفرد لائقاًَ ومناسباً لكاهن أو قسيس في الكنيسة الإنغليكانية. تخرج الفرد في الثانوية بتفوق أهّله للقبول في جامعه كامبردج المتميزة. غير أن الفرد وجد ضالته الذهنية في دراسة العلوم الرياضية والفيزيائية، لا في الدراسات الكنسية كما كان والداه السيد والسيدة مارشال يتمنيان. وإذا كان لعلم الاقتصاد مؤسسان بدلاً من مؤسس واحد، فإن الفرد مارشال يأتي بعد آدم سميث المؤسس الأول. ولا يشك اقتصادي مهني، غير مؤدلج، في أن سميث هو صاحب الأسبقية. فهو الذي شق الطريق بكل ما في ذلك الطريق، الذي بدأ سميث برسم أهم معالمه في عام 1776، من تعرجات وتحويلات ومطبات وإطالة لم يكن بالإمكان لأي مؤسس، دع عنك مؤسساً لعلم إنساني انطلق من أهمية الدوافع الذاتية في تحديد تصرفات بني الإنسان المادية، تلافيها. وبعد مئة وأربع عشرة سنة من نشر كتاب سميث في عام 1776 وما تبعه من فكر علمي أضافه جون ستيوارت ميل وديفيد ريكاردو والقسيس توماس ماثيو، وتحديداً في عام 1890، نشر الفرد مارشال كتابه «مبادئ الاقتصاد» الذي احتل مكانة لم يحتلها أي كتاب آخر في موضوعه حتى سبقه في عدد المبيعات كتاب أستاذ الاقتصاد في جامعة «الأم آي تي» بول ساميلسون في أوائل الستينات من القرن الماضي، على رغم أنه تم نشر أول طبعة من مؤلف ساميلسون في عام 1948 تحت اسم «اقتصاد». ولكن السؤال يبقى ما الذي حوّل اهتمام أستاذ الرياضيات من علم الرياضيات الأنيق إلى محاضر والأهم مؤلف مبدع إلى علم الاقتصاد الذي ليست له بالأناقة صلة؟ قال مارشال إنه كان في زيارة عفوية، لم يسبق التخطيط لها، إلى شرق مدينة لندن، بينما كان محاضراً في العلوم الرياضية في جامعة كامبردج، فهاله وأثر بعمق في نفسه ما رآه بعينه من بؤس وفقر بين سكان أفقر أحياء لندن الذين هاجر أغلبهم وأغلب آبائهم وأمهاتهم من الأرياف الانكليزية هرباً من وضع مأسوي أشد بؤساً حتى مما شاهد مارشال شخصياً في ذلك الحي البائس. من هنا بدأ يفكر في دراسة ما كان يُسمى في ذلك الوقت ب «الدراسات الأخلاقية» التي تُسمى في وقتنا الحاضر «العلوم الاجتماعية». وهذا قاده الى قراءة سميث، ومل، وريكاردو، وماثيو، وابن خلدون، فتحول جل جهده، بل وليله ونهاره الى تأليف كتابه المفصلي «مبادئ الاقتصاد». ففي ذلك الكتاب لخص مارشال كل ما توصل إليه من سبقوه في إطار رياضي. فجاء بأهم أدوات التحليل الاقتصادي التي لا يستغني أي محلل اقتصادي حقيقي جاء بعد مارشال والى يومنا هذا عن توظيفها لاستقصاء الشؤون الاقتصادية. فمارشال هو من أتى بعبارات شائعة حالياً حتى في خارج الإطار التحليلي العلمي ك «الطلب» و «العرض» و «مرونة» العرض أو الطلب، و «المعادلة الحدية» وغيرها كثير كمنحنى «التكاليف» و «الفائض» ونقطة «التوازن». ولكن مارشال لم يكتف بالإتيان بهذه المصطلحات، وإنما ألف لكل منها معادلة رياضية بسيطة تمكن الباحث من توظيفها للوصول الى نتائج مختلفة، غير أنها محددة، وفقاً لاختلاف الأحوال. بل إنه أيضاً أول من رسم منحنى الطلب ومنحنى العرض، وغيرها من الأدوات التي ابتدعها. ومع أنه أول من وظف معلوماته الواسعة في الرياضيات، في وضع إطار علمي لعلم الاقتصاد، فإنه كان يحرص على وضع المعادلات غير البسيطة جداً في الهوامش. وكان ينظر نظرة دونية إلى طلابه أو نظرائه الذين لا يترجمون معادلاتهم الرياضية إلى لغة معتادة مألوفة للجميع واضحة لا يتعذر فهمها على عامة المتعلمين. وفي مناسبات آتية سيأتي تفسير بسيط للعوامل التي تحدد مستوى الطلب أو مستوى العرض، أو التكاليف أو الفائض أو النقص، والتي رآها مارشال، وثبت في ما بعد صوابها. * أكاديمي سعودي