هذا عنوان مسروق من عنوان كتاب للصديق الشاعر الكبير جسداً وشعراً الدكتور غازي القصيبي. وهو عنوان سبق سلبه في مناسبة أخرى في هذا الحيز. وقد تحدث القصيبي في كتابه «عن قبيلتي أحدثكم»، عن طبيعة الشعر وشيوخ الشعراء بلغة استطاع فهمها نفرٌ من أجهل الناس بطبيعة الشعر كالشيخ محمد أبا الخيل وكاتب هذه السطور. ومع أن قبيلة الشعراء أكبر بكثير من قبيلة علماء الاقتصاد، فوجه الشبه بينهما أنه قد ينتمي إليهما من هو ليس منهما كالناظم الذي يتوهم أنه شاعر أو من حفظ بعض المصطلحات المالية فصدق من أسموه «اقتصادياً». وكما أنه ليس بالضرورة أن يكون الشاعر الحقيقي جامعياً ولا حتى متعلماً، فليس بالضرورة أن يكون الاقتصادي الحقيقي، أي الذي يفكر كما يفكر طلاب علم الاقتصاد الجادون من حملة الماجستير أو الدكتوراه، من قسم الاقتصاد في جامعة معترف بها. فلا يشك أحد من علماء الاقتصاد بأن كينيث بولدنغ من بناة علم الاقتصاد في القرن العشرين، وكان أستاذاً لعلم الاقتصاد في جامعتي ميتشيغن وكولورادو، مع أنه اكتفى بشهادة البكالوريوس من جامعة أوكسفورد الشهيرة. وعدم حصوله على شهادة الدكتوراه التي كان قادراً على الفوز بها بسهولة ويسر من جامعات كهارفرد وشيكاغو و ستنافورد أو أكسفورد، لم يثنه عن كتابة 35 كتاباً علمياً بعضها موجه للمبتدئين من الطلاب، وأكثرها موجه إلى شيوخ القبيلة الاقتصادية. غير أن المراد استعراضه هو ما يتعلق بجائزة نوبل في علم الاقتصاد وعن نفرٍ من أبرز من ظفروا بها. وبدءاً فإن هذه الجائزة لم يوص بمنحها ألفرد نوبل، العالم والصناعي السويدي الذي تحمل اسمه، والذي أسسها، ويحاكي من ناحية مبلغ المكافأة وأسس منحها، بقية جوائز نوبل في علوم الفيزياء والكيمياء والطب والفيزولوجيا والأدب والسلام، هو «البنك المركزي السويدي». وقد بدأ منحها في عام 1969، وفاز بها في أول سنوات منحها الاقتصادي النروجي راجنر فرش مناصفة مع الاقتصادي الهولندي يان تنبرقن. وفي عام 1970 تم منحها لأستاذ علم الاقتصاد في جامعة «أم. آي.تي» التي وضع اسمها على خريطة أقسام الاقتصاد المميزة بول ساميلسون خريج شيكاغو (البكالوريوس) وهارفرد (الماجستير والدكتوراه)، والذي لم يفارقها منذ انضمامه إليها في عام 1940 وحتى يومنا هذا بعد أن تجاوز 94 عاماً ولا يزال يحمل لقب البروفيسور المتقاعد في الجامعة التي ارتبط اسم قسم الاقتصاد فيها باسمه. ولم يحدث أن جادل أحد من الاقتصاديين بأن ساميلسون استحقها بجدارة. ويشرف على اختيار الفائزين من المرشحين لها مجموعة من الاقتصاديين تختار أسماءهم «هيئة العلوم الملكية السويدية». ولا بد أن يكون جميع الاقتصاديين أعضاء في هذه الهيئة ولذلك فكلهم سويديون. وفي شهر أيلول (سبتمبر) من كل سنة، يجتمع خمسة أفراد يتم انتخابهم من أعضاء «هيئة الجائزة لعلم الاقتصاد» ويبعثون بنماذج إلى عدد كبير من الأكاديميات العلمية في العالم أجمع وأساتذة الاقتصاد البارزين في جميع أنحاء المعمورة لترشيح الفائزين ل «جائزة نوبل في علم الاقتصاد». ويقال إن من أهم الترشيحات التي تأخذها اللجنة المنتخبة بجدية استثنائية، في السنوات الأخيرة، هم من يرشحهم من سبق لهم الفوز بالجائزة. ويُروى أن أهم من رشح جون هيكس في عام 1972 وجيمس ميد في عام 1977 هو بول ساميلسون الذي سبق ظفر وبها في عام 1970. وكان مفاجئاً لنفرٍ من الاقتصاديين، أن يقول ساميلسون انه كان يرشح سنوياً بضع اقتصاديين، وفي أول قائمة ترشيحاته، ميلتون فريدمان الذي فاز بها في عام 1976. وتعود أسباب المفاجأة الى أن ساميلسون يعتبر اقتصادياً «ليبرالياً» بينما فريدمان اقتصادي «محافظ» بالمعنى الكلاسيكي القديم لا بمعنى «المحافظين المجددين» الذين ما زالت أميركا وبقية العالم يعانون من شرورهم. وفي الأسابيع القادمة سيتم - بحول الله – استعراض أسماء الكثيرين ممن فازوا بالجائزة والجدل الذي أثاره منحها في حقل علم الاقتصاد. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي.