رغم تحذيرات الأطباء من تأثير الصيام على صحتها سلباً، إلا أن وفاء محمد لا تعير الموضوع أهمية، وتحيل علاج مرض السكري لإجازة نهارية، ما يدفعها لملازمة السرير وللإعياء الدائم طوال فترة الصيام ما جعل طبيبها يؤكد احتمالية تعرضها لخطر لا يمكن التعامل معه، وأن حياتها مهددة. وتتردد سنوياً في شهر رمضان، تساؤلات المرضى بصورة عامة، ومرضى السكري بصورة خاصة مفادها: «أصوم أو لا أصوم؟»، «ما هو رأي الطب والدين وحتى العرف في حال الإفطار؟»، بيد أن الإجابة على كل هذه التساؤلات صريحة وواضحة تجبر المريض على الإفطار في حال تعرضت حياته للخطر. ولكن فاطمة والكثيرين ممن يؤمنون بمثل فكرها، يجدون عدم الصيام في رمضان «جريمة وخيانة لا تغتفر»، حتى وإن كان الصيام يهدد حياتهم. وتقول فاطمة، وهي مواطنة في العقد الخامس، إنه في كل عام يشتد الجدال بينها وبين أطبائها وأسرتها، وحتى صديقاتها، حول صيامها من عدمه، مضيفة «ودائماً ما يكون القرار في النهاية لي، فأجازف وأصوم، إيماناً مني أن الصيام تطهير للروح والجسد، وهو شفاء». وتضيف «لا يمكن أن أفوّت هذه المناسبة العظيمة التي يشترك فيها جميع المسلمين، فهو شهر خير ورحمة وبركة». وتوضح أنها بحاجة إلى جرعات الأنسولين من مرتين لأربع في غالب الأوقات «وأجد معارضة شديدة من قبل الطبيب المعالج على قرار صومي، وحتى زوجي أحضر لي فتوى تؤكد أنني معفاة من هذا الفرض، إلا أنني لم أعتد أن أترك الصيام على الإطلاق». من جهته، قال استشاري الغدد الصماء والسكري الدكتور علي القرني ل «الحياة» إن الجدل يشتد ويحتدم في كل عام بين المرضى والأطباء تحت عنوان «أصوم أو لا أصوم»، موضحاً أنه «من الضروري جداً أن نفهم أننا مجتمع مسلم يولي هذا الشهر الفضيل عناية خاصة، ونحن دائماً ما نؤكد أن على مريض السكري أن يناقش خطة صيامه مع الطبيب، ولا يوجد قاعدة عامة بمعنى يصوم أو لا يصوم فالحالات تختلف». وانتقد الدكتور القرني العادات الاجتماعية الخاصة بمائدة رمضان والتي يغلب عليها الحلويات والدهون، مضيفاً «ومريض السكر يصاب بانخفاض في النهار ومعرض لارتفاع السكر في الليل». وأفاد بأن الأطباء يتعاملون مع نوعين من المرض، الأول يصاب به 90 في المئة من الكبار، ونوع آخر يصيب الصغار، وهو مرض معقد وبحاجة إلى جرعات من حقن الأنسولين، ويأخذ المريض في هذا النوع من جرعتين إلى أربع، ويجب مناقشة هذه الحال مع المختص قبل رمضان لدرس تاريخه المرضي. وأضاف «من ينتمون إلى النوع الأول ننصحهم دائماً بعدم الصيام، ومن يصرون على الصيام ننصحهم بالالتزام بالاحتياطات اللازمة والمتعلقة بالوجبات، وقياس السكر، وتناول الطعام بتوازن في الإفطار والسحور، والوجبة الأخيرة بالتحديد يجب أن تحتوي على نشويات معقدة مثل الأرز والخبز». وشدد على وجوب قياس السكر قبل الإفطار والسحور بساعتين وبعده بساعتين، وينطبق الأمر في حال وجود وجبة خفيفة ما بينهما، مؤكداً أن المريض يجب أن لا يكمل صيامه في حال أصيب بتعرق، أو أحس بالجوع المفرط، أو رعشة وخفقان وعصبية وتصرفات غير طبيعية، معتبراً أن أول يومين من الشهر تحدد قدرة المريض على الصوم من عدمه. وأشار إلى أن هذا النوع الثاني من المرضى، والذين يستخدمون علاج منظم السكر، يمكن لهم الصيام مع الامتناع من الإفراط في الأكل، والذين يستخدمون الأدوية الخافضة للسكر يمكن للمرضى أن يتعرضوا لانخفاض لكن بدرجة أقل من الأنسولين، وأغلب مرضى هذا النوع يستطيعون الصوم دون مشكلات. وأضاف «دائماً ما أحيل مرضاي إلى الرأي الشرعي والمتوافق مع توجهاتنا كمشخصين لحال المريض، ونحن كأطباء مسلمين نمتلك خلفية دينية جيدة للتعامل مع هذه الحالات، ومشائخ يحيلون المرضى إلى السفر من أجل أن يفطروا كحل». وحذر من تعنت سيدات حوامل مصابات بالسكري من النوع الأول «فصيامهن خطر كبير على صحتهن وصحة الجنين، فالضرر تعدى الذات ليصل إلى طرف آخر لا حول له ولا قوة، والسيدات الحوامل وغير المصابات بداء السكري لا ينصح بأن يصمن أكثر من ثمان ساعات». بدوره، أكد الأخصائي الاجتماعي في أحد المستشفيات حسن الحماد، معاناتهم الكبيرة في إيصال تحذيرات الأطباء لمرضى السكري في رمضان، مضيفاً «فكبار السن على سبيل المثال يصعب إقناعهم بترك الصيام، ويأخذونها دائماً من جانب عقائدي ومرة من جانب اجتماعي أو نفسي، فمريض السكر لا يريد أن يشعر بأنه عاجز أو مريض وحياته في خطر بل يريد أن يقنع نفسه بأنه بخير على رغم كل هذه التحذيرات». وقال الحماد إنهم يسعون لتوفير الرأي الطبي والشرعي الخاص للمرضى حول حالاتهم، موضحاً أنه يتم الجلوس مع المرضى لإقناعهم بعدم الصوم، ويتوصل الطرفان في ختام هذه الجلسات إلى شبه اتفاق بعدم الصوم، أو الصوم بشكل جزئي كحل وسط.