الجولة التي قام بها ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي على دوائر النفوذ الايراني المباشر في المنطقة، لبنان وسورية والعراق، والتصريحات المتشددة التي رافقتها، تؤشر الى ان طهران المحشورة بدأت «هجوماً مضاداً» في الملف السوري يتخذ شكل التهديد بتوسيع المواجهة بين النظام والمعارضة ونقلها الى اطار اقليمي لاجبار العالم على التفاوض معها حول ضمان «مصالحها» بعد سقوط نظام بشار الأسد. وبالتأكيد يعرف الايرانيون ان الحكم في دمشق يقترب من نهايته وان سورية جديدة ستقوم خلال فترة ليس ببعيدة، ولهذا لا بد من انقاذ ما يمكن انقاذه من «محور المقاومة» الذي انشق ضلعه الفلسطيني وانكسر ضلعه السوري ولم يعد قادراً على لعب الدور المطلوب منه ولا على دعم الاضلاع الاخرى. وأرفقت طهران اعلانها رسمياً دخول الحرب السورية بتهديدات الى تركيا الأطلسية بأن دورها سيأتي اذا سقط الاسد، وان الحرب ستنتقل الى اراضيها ومكوناتها، وأرسلت وزير خارجيتها الى انقرة لتحميلها المسؤولية عن مصير الرهائن الايرانيين تحت ذريعة طلب مساعدتها في اطلاقهم، وهو ما استدعى رداً تركياً واضحاً بتحميل ايران جزءاً اساسياً من المسؤولية عن جرائم نظام الاسد بسبب دعمها غير المحدود له. ويهدف التصعيد الايراني الى تحييد الاتراك في معركة حلب التي بدأ الجيش النظامي السوري هجومه البري عليها فور مغادرة جليلي، والى صرفهم عن إقامة مناطق آمنة لحماية النازحين السوريين الذين يتزايد عددهم يوميا، قد تتحول لاحقاً الى مناطق حظر جوي وتمهد لتدخل غربي مباشر. وكانت المواجهة الايرانية - التركية بدأت مع تسليم الجيش السوري مناطق في شمال سورية تحاذي تركيا الى اطراف كردية معروفة بعدائها لأنقرة، وردت هذه باستنفار قواتها وتأكيدها انها لن تسمح بقيام كيان مناوئ على حدودها، وارسلت وزير خارجيتها الى كردستان العراقية ليبلغ المسؤولين فيها بأن اي تدخل تركي في شمال سورية لن يكون موجهاً ضد الاكراد بل ضد «حزب العمال الكردستاني» وحلفائه. وفي بغداد، حيث انقذت طهران حكومة نوري المالكي بإجبار حليفها مقتدى الصدر على الانسحاب من الحملة التي تقودها المعارضة لاسقاطها، وحيث طلب الايرانيون تسهيل مرور قوافلهم الى سورية وزيادة المساعدات النفطية والمالية العراقية الى دمشق، فان الهدف ايضا الضغط على تركيا بعد التوتر في علاقاتها مع العراق واحتجاج الاخير رسمياً على زيارة داود اوغلو الى كردستان من دون المرور بالاقنية الديبلوماسية الرسمية. اما في لبنان، «ارض المقاومة» ومحطة جليلي الاولى، حيث يسيطر «حزب الله» على الحكومة ويوجه سياساتها المؤيدة لدمشق، فتزداد الضغوط على تركيا عبر اقحامها في قضية خطف مواطنين شيعة في سورية، وتوجيه تهديدات بخطف رعاياها وجنودها العاملين في قوة الاممالمتحدة (يونيفيل). وكان لافتاً ان الامين العام للحزب تبنى بعد لقائه جليلي لهجة «معتدلة» في بعض شؤون الداخل اللبناني، وهو «اعتدال» يعرف اللبنانيون من خلال التجربة انه لن يعمر طويلا، وان الحزب لن يعدم الذرائع للتراجع عنه، وانه قد لا يعدو كونه غطاء لتصعيد ما. «الجبارة» الايرانية الهشة للضلع السوري المكسور لن تصمد طويلا، وقد تؤدي في أحسن الاحوال الى اطالة عمر نظام دمشق قليلاً، لكنها لن تنجح في ابقائه على قيد الحياة، خصوصا وان «صحة» صاحبها نفسه موضع شكوك جدية.