العام 2032، المكان أولمبياد موسكو، الاسم «وداد مانيماري»، صفتها لاعبة فريق التايكوندو السعودي المشارك في ذلك الأولمبياد، ولدت وداد قبل 20 عاماً وبالتحديد العام 2012، وكانت وقتها وبالمصادفة تقام الألعاب الأولمبية الصيفية في العاصمة البريطانية لندن. ولدت وداد في السعودية 2014، أي بعدها بعامين تقريباً، وتحديداً بعد هجرة والديها من وطنهم الأصلي «مانيمار» إلى المملكة هرباً بدينهم وحياتهم إثر عمليات تهجير وقتل وحرق قامت بها الغالبية البوذية هناك - بعدما اتخذ زعماء العالم الإسلامي قراراً بقبول هجرة المسلمين المضطهدين في مانيمار وتوزيعهم على العالم الإسلامي - وكان من نصيب والديها أن يهاجرا إلى مكةالمكرمة، وهي التي يختار الله عز وجل من يجاوره فيها حيث بيته الحرام. نشأت وداد في أحضان وطنها الجديد وتعلمت في مدارسها الكثير عن المساواة والأخوة الإسلامية، وأن لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى، كما أنها حفظت عن ظهر قلب أن دينها الإسلام الذي هرب أهلها من أجل الحفاظ عليه، يحميها ويحمي عائلتها من أي إساءات أو سباب أو قذف، ويحث متبعيه على الترفع عن جاهليتهم. اليوم وبعد عقدين من حصول والديها على الجنسية السعودية تحولت وداد إلى سعودية، تتنفس هواءها وتحمل وطنها في قلبها حيثما حلت وارتحلت، مثلها مثل كل السعوديين الذين تحصلوا على جنسية وطنهم بعد التوحيد. وداد عشقت منذ نعومة أظفارها لعبة التايكوندو، كانت مهووسة بها، وعلى رغم عدم وجود أندية نسائية في مكة تعلم تلك اللعبة، إلا أن والديها اللذين وجدا في ابنتهما موهبة كبيرة، لم يقصرا في تدريبها وجلبا المدربين والمدربات حتى أتقنتها. ولأن اللجنة الأولمبية السعودية ترغب في المشاركة في أولمبيا 2032، كان لابد من أن يشارك ضمن فريقها «الذكوري» سيدات، فقد وجدت اللجنة الأولمبية أن «وداد مانيماري» لاعبة جاهزة لتمثيل وتشريف بلادها، على رغم أن اللجنة لم تشارك ولو لساعة واحدة في رعايتها أو تأهيلها. حملت وداد في عينيها وقلبها حلم وطنها، وأهدت إلى اللجنة العتيدة تذكرة دخول إلى المسابقة ما كانت لتحصل عليها لولا وجودها. فجأة تجد «وداد» تلك الفتاة الصغيرة نفسها وسط هجمة من الكراهية والعنصرية البغيضة التي خرجت فجأة من أوكار التخلف وعشش الماضوية. تذكرت أنه ومنذ 20 عاماً، بل منذ 100 عام، لا يزال السعوديون يناقشون قضاياهم نفسها، هل تمثيل السيدات السعوديات في الأولمبياد مقبول أم مرفوض، هل عملها حلال أم حرام، هل تسوق أو لا تسوق؟ لكن ما ألم وداد، هو تعرضها لما تعرض له والداها في مانيمار، من اضطهاد عنصري بغيض، ولحملات الكراهية والتحقير والمس بدينها ووطنيتها، كانت تحس أنه أكثر إيلاماً مما تعرض له أهلها في محرقة مانيمار قبل 20 عاماً. كيف لا وهو يأتي من أهلها وإخوتها في الدين الذين يملؤون الدنيا بإدعاءات الوعظ والتنظير، لكنهم عند أول اختبار يقعون في «نتانة العنصرية»، ألم يقل النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم «دعوها فإنها منتنة». ظلت وداد تسأل نفسها في حيرة من دون أن تجد إجابة، أليسوا هم أنفسهم الذين تباكوا على والديها وأهلها في «مانيمار»، هل كان كل ذلك مجرد كذب، ومشاعر مغشوشة، أم كان مجرد شعارات زائفة يرفعها العنصريون نهاراً للتطهر من فحشائهم وذنوبهم التي يمارسونها سراً. أليسوا هم من تباكى على مسلمي البوسنة وكشمير وأفغانستان والشيشان، ومن قبلها كلها مسلمي بخارى، متهمين «كفار الأرض» بالعنصرية والتطهير العرقي فإذا جاء أولئك المسلمون إليهم هاربين بدينهم وأولادهم، عيروهم في أنسابهم وأسمائهم وأعراقهم. إنها قصة تتكرر يمارسها الأشخاص وأبناؤهم وأبناء أبنائهم أنفسهم، فلا إسلام يردعهم ولا خلق يوافقهم، ولا مروءة تقف بينهم وبين أوحال دنسوا بها إسلامنا وحياتنا. [email protected]