الإنكليز أفضل مَنْ ينظّم بطولات رياضية، والمشكلة أنهم لا يفوزون فيها، فجاء اولمبياد لندن ليمثل الشذوذ على القاعدة ويحتل البريطانيون المركز الثالث بين الدول المتنافسة. هم اخترعوا كرة القدم ولم يفوزوا بكأس العالم منذ 1966، وأعتقد أنهم لن يفوزوا بها المرة القادمة، أي بعد نصف قرن على فوزهم الأخير. وعشية بدء دورة الألعاب الاولمبية في لندن، كان البريطانيون ينظمون بطولة ويمبلدون في كرة المضرب، وهي أشهر البطولات السنوية الأربع المفتوحة في هذه اللعبة (هناك أيضاً الولاياتالمتحدة وأستراليا وفرنسا)، ووصل الإسكتلندي آندي موراي بعد عقود من المحاولة الى الدور النهائي... وخسر. وكانت الصفحات الأولى في صحف الأحد اللندنية يومَ المباراة ازدانت بصور موراي مبتسماً، وعادت صحف الإثنين وصفحاتها الأولى تصوره باكياً والأمة تبكي معه. ابتسم البريطانيون مع موراي بعد ان فاز بالميدالية الذهبية في كرة المضرب على حساب غريمه اللدود فيديرير، الذي هزمه قبل اسابيع في ويمبلدون. أترك البكاء للندّابات، وأحاول اليوم أن أجعل القارئ ينسى عجزه عن الحصول على تذاكر للألعاب الاولمبية في لندن، ثم أعترف بأن من «البجاحة» أن يتحدث كاتب عربي عن فشل الإنكليز كروياً و «تنسيّاً» ونحن أمة تنام في سرير واحد مع الفشل، وتستيقظ معه... بعد الظهر والناس عائدون من أعمالهم. لو كانت هناك مباريات اولمبية في الفشل أو الكسل أو النوم أو اللوم (لوم الآخرين على خسائرنا) لفزنا بالذهب والفضة والبرونز، إلا أننا جميعاً نعرف أن هناك مؤامرة صهيونية غاشمة تحصر المباريات في العدْوِ والقفز والسباحة والمصارعة ورفع الأثقال والملاكمة وغيرها. أشكر العدّاء المغربي هشام القروج، الذي فاز بميداليتين ذهبيتين في أثينا سنة 2004، في سباقَيْ 1500 متر وخمسة آلاف متر. شخصياً لا أحب الملاكمة، مع أنها أرحم في الألعاب الاولمبية، والملاكمون يحمون الرؤوس بغطاء يمنع الأذى، الذي هو حتماً نتيجة كل مباراة للمحترفين، وعندما أعطينا أشهر الملاكمين العالميين محمد علي كلاي جائزة حوار الإسلام والغرب خلال مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وجدتُه لا يستطيع النطق، ويتحرك ببطء، فألقت ابنته خطاباً نيابة عنه... وهو الرجل الذي قال عن نفسه يوماً إنه يتحرك كفراشة ويلسع كنحلة. أعود الى الألعاب الاولمبية، فقد مضى يوم سافرت بالطائرة الى الولاياتالمتحدة لأزور أخي في جامعة إيلينوي، ثم أكملت بالباص بعد أن رأيت فيلم مارلين مونرو «محطة الباص»، الى لاريدو بولاية تكساس، لمقابلة عضو الكونغرس أبراهام -أعني إبراهيم- كازن، أو الخازن، بعد أن ألغى ال التعريف من اسمه ووضع فيه حرفاً يُستعمل في الإنكليزية بديلاً من حرف الخاء، فأصبح في اسمه كافاً، ومن هناك أكملتُ بالباص لحضور دورة ألعاب 1968 في المكسيك. في 1984، كانت الألعاب الاولمبية في لوس انجليس، وأنا أقيم في واشنطن، فماذا فعلتُ؟ أخذتُ العائلة والأطفال الصغار بعيداً، الى هاواي، في إجازة رائعة، واخترت أن أتابع الألعاب الاولمبية من «كنبة» أمام التلفزيون، وكفى الله المؤمنين شر ازدحام الملاعب. وهذه السنة أيضاً، والألعاب في لندن حيث أقيم، أرحل الى جنوبفرنسا حتى تنتهي. الكسل مضمون النتائج، أما النشاط فقد يكون عبثياً وينتهي بالفشل، والتلفزيون يدخل كل ملعب وينقل المباريات من كل زاوية ممكنة، فلماذا المغامرة وتبذير عملة صعبة جداً؟ ثم إن هطول المطر احتمال قائم في لندن على مدار السنة. لو كانت الألعاب الاولمبية تضم لعبة الطاولة لحاولت المشاركة، وفي حين أتقن الفرنجية والمحبوسة، فإن اختصاصي هو «أوتوزبير»، أو 31. هل بقي في العالم مَنْ يُتقن هذه اللعبة؟ إن وُجِد فأنا أتحداه الى مباراة متلفزة. غير أنني أزعم أنني عندما كنت لاعبَ كرة قدم عالمياً كنت أسجل الأهداف بركل الكرة من مرمى الى المرمى الآخر، وإذا ركلت الكرة الى أعلى تهبط وعليها ثلج. الحقيقة هي أنني لو شاركت في مباراة العدْوِ وعرض التلفزيون الوصول الى خط النهاية بالسرعة البطيئة، لكانت أسرع مني على أرض الملعب، لذلك أتذكر مارك سبيتز وفوزه بسبع ميداليات ذهبية في السباحة في ألعاب ميونيخ سنة 1972، ومايكل فيلبس وفوزه بثماني ميداليات في السباحة أيضاً في دورة بكين قبل أربع سنوات، وأرشح سباحاً إيطالياً هذه السنة لمثل فوزهما، فقد قرأت أنه يعمل ساعي بريد في البندقية. [email protected]