إعلان تنظيم «القاعدة» نيته مهاجمة المعتقلات في العراق في عمليات أطلق عليها اسم «هدم الأسوار» قبل تنفيذها لم يكن خطأً تكتيكياً. بل أكد عدم تنبه القوى الأمنية إلى دلالات هذا الاسم، وكشف خللاً واضحاً في منظومة جمع المعلومات الأمنية وتحليلها. وكان التنظيم شن خلال الأيام الماضية سلسلة عمليات واقتحم معتقلات حصينة، أبرزها مبنى مكافحة الإرهاب، وسط بغداد، وهاجم حوالى 7 مدن، مخلفاً 350 قتيلاً وجريحاً، في حصيلة رفعت مستوى العنف في تموز (يوليو) إلى أعلى مستوياته منذ عام 2010. وتجمع الأطراف السياسية العراقية على وجود خلل في منظومة أجهزة الاستخبارات، لكنها تتباين في استثمار الحدث سياسياً، بما يخدم مصالحها من جهة، ويضع الخصوم في دائرة الاتهام، من جهة أخرى. وكان زعيم «القاعدة» في العراق أبو بكر البغدادي أعلن في بيان صوتي، بداية شهر رمضان، إطلاق هجمات تحت اسم»هدم الأسوار»، وقال «أزف إليكم الأخبار الجيدة. سنبدأ مرحلة جديدة في صراعنا بخطة أطلقنا عليها اسم «هدم الأسوار»، ونذكركم بأن أولويتكم هي تحرير المسلمين الأسرى. وعلى رأس أهدافكم ملاحقة القضاة والمحققين والحراس وتصفيتهم». وعلى رغم أن هذا الإعلان جاء قبل أسبوع من اقتحام سجون مكافحة الإرهاب في بغداد، والتاجي (الحوت) وسجن الكوت (واسط)، فلم تتخذ إجراءات أمنية على الأرض. في المقابل استمر الخطاب الأمني في إعلان خطط تعتمد على نشر نحو 500 ألف مقاتل في الشوارع وتنفيذ عمليات اقتحام داخل «حواضن إرهابية»، ما يشير إلى خلل في فهم تحركات الجيل الثالث من تنظيم «القاعدة» الذي بدأ منذ عام 2009 يغير تكتيكاته ويعيد هيكلة تنظيماته عبر زرع خلايا نائمة والانتشار في بيئات مختلفة، ما مكنه من تنفيذ سلسلة عمليات أعدها بدقة لتخلف أكبر مقدار من الضحايا، وتحظى بأكبر تغطية إعلامية. والخلل الأساسي في مصطلح «الحاضنة الاجتماعية» أنه يفترض وجود جماعة متعاطفة مع التنظيم المسلح. وقد يكون هذا الأمر صحيحاً في مرحلة الجيل الأول (2003 – 2006) وحتى الجيل الثاني (2006 – 2008) حين كان هدف التنظيم السيطرة على الأرض واحتلال المدن والدخول في مواجهات مباشرة واسعة النطاق، ومن ثم إدارة «الحرب الأهلية». لكن انقلاباً استراتيجياً حصل مع الجيل الثالث للتنظيم (2008 – 2012) أعاد صوغ تعريف «الحاضنة» باعتبارها حيزاً «فردياً» وليس «جماعياً»، «تنظيمياً» وليس «اجتماعياً»، أي زرع الخلايا في أكثر البيئات المناوئة. المشهد الأمني في العراق اليوم يكشف تقصير القوى الأمنية، ويشير في شكل واضح إلى أن «القاعدة» طور تنظيماته غير المقاتلة كي يحصل على المعلومات الأمنية قبل كبار قادة الجيش والشرطة. وبتعبير أكثر دقة، اخترق التنظيم «كل القوى الأمنية قبل أن يخترق صفوفها».