عكست ردود الفعل على إعادة اختيار محمد صابر عرب وزيراً للثقافة في مصر، انقساماً حاداً في الساحة الثقافية المصرية بين تيارين. عبر التيار الأول عن ارتياح موقت تحسباً من ذهاب هذه الحقيبة المهمة إلى أي من المحسوبين على قوى الإخوان المسلمين، فيما رأى ممثلون للتيار الثاني أن عودة عرب تعني الإصرار على إعادة إنتاج النظام القديم وفقاً للآليات التي حكمت خيارات رئيس الوزراء الجديد هشام قنديل في حقائب الوزارات ذات السيادة والتي لم تصلها دماء التغيير. ويرى تيار ثالث أن عرب الذي استقال من حكومة كمال الجنزروي قبل خمسة وأربعين يوماً ليتمكن من الفوز بجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية (نحو 35 ألف دولار) نجح في خداع الجميع باستقالة صورية مكَّنته من الفوز بالجائزة والاستمرار في كرسي الوزارة. وينشط ممثلو هذا التيار لمقاومة عرب على «الإنترنت» ويطالبونه برد قيمة الجائزة. وصابر عرب الذي عرفته الحياة الثقافية خلال سنوات توليه رئاسة دار الكتب المصرية (2003/ 2012) عمل أستاذاً للتاريخ في جامعة الأزهر وهو مختص في تاريخ مصر الحديث والمعاصر وجاء اختياره للحقيبة الوزارية مصحوباً بعناصر إثارة لم تكن تقل عن تلك الموجودة في المسلسلات الرمضانية. إذ واجه رئيس الحكومة الجديد مشكلات قبل أن يتمكن من الوصول إلى «خيار آمن» يجنبه الصدام مع الجماعة الثقافية التي لم تستطع إخفاء مخاوفها من هيمنة ممثلي الإسلام السياسي، كما اتضح ذلك في بيان أصدرته «اللجنة الوطنية لحرية الفكر والإبداع» والتعبير قبل ساعات من حسم الحقائب الوزارية رفضت فيه في شكل قاطع كل اتجاه يرمي إلى تفكيك وزارة الثقافة المصرية أو تفتيتها أو صبغها بطابع غير ديموقراطي أو يتناقض مع مكوناتها الأساسية، أو أن يؤتى بوزير ثقافة له مشاريعه الثقافية الاستثمارية الخاصة به. وضعت هذه اللجنة أمام رئيس الوزراء الجديد قائمة ضمت 11 اسماً ليختار من بينها، وكان أبرزهم الروائيين بهاء طاهر، رضوى عاشور، عز الدين شكري فشير، والشاعرين سيد حجاب وحسن طلب والناقد محمد بدوي، إضافة الى الوزيرين السابقين عماد أبو غازي وشاكر عبدالحميد. وبخلاف تلك الأسماء انحسرت بورصة الترشيحات للمنصب في مجموعة أبرزها محمد الصاوي، مؤسس «ساقية الصاوي»، وهي منتدى مستقل، والذي تولى منصب وزير للثقافة لبضعة أيام في حكومة أحمد شفيق التي جاءت عقب تنحي مبارك. بورصة ترشيحات تركزت مبررات الهجوم على فرص الصاوي في استعادة المقعد الوزاري، لكونه مقرباً من جماعة «الإخوان المسلمين»، التي دعمته بعد ذلك خلال انتخابات البرلمان، وتركت له رئاسة لجنة الثقافة في ذلك البرلمان الذي جرى حله بحكم قضائي، فضلاً عن اتهامه بإدارة مؤسسة «الساقية» بأسلوب رقابي محافظ، إضافة إلى ميله إلى خصخصة مؤسسات وزارة الثقافة. وهو توجُّه لا يزال يواجه معارضة شديدة في الأوساط الثقافية التي انقسمت إزاء المرشح الثاني الذي دفعت به بورصة الترشيحات وهو أسامة أبو طالب، الأستاذ في أكاديمية الفنون المصرية والذي عمل أيضاً رئيساً للبيت الفني للمسرح لأشهر عدة مع الوزير فاروق حسني. ووجد ترشّح أبو طالب دعماً من جماعة تسمى نفسها «تيار هوية»، رأت في بيان أن ترشّحه جاء مدعوماً بالأسباب الموضوعية والمنطقية التي استند إليها هذا الترشّح، في ما يتصل بمعايير الكفاءة والموضوعية والثقافة والخبرة والتواصل، التي تؤهله للتعامل الحضاري مع كل الأطياف والتيارات الثقافية». في حين واجه أبو طالب معارضة شديدة عكسها بيان لجماعة مضادة تعرف نفسها باسم «تيار الثقافة الوطنية» اعتبرت أن طرح اسمه يعكس هيمنة الإسلام السياسي، وذلك على خلفية علاقة أبو طالب بالإخوان المسلمين، لكون والده كان من قياداتها. كما اتهم أبو طالب من قبل زملاء له، أبرزهم الناقد أحمد سخسوخ، ب «ممارسة سلوك رقابي تمثل في تغطية تماثيل الفنانين في مسارح الدولة، إضافة إلى مصادرة الكتب». وبينما ظلَّ الصاوي وأبو طالب في دائرة الترشيحات، حسم الشاعر فاروق جويدة الأمر بتأكيد رفضه المنصب. وعلى صعيد آخر بدأ صابر عرب عمله بتصريحات هدفها استعادة ثقة الجماعة الثقافية، إذ أكد أنه سيبذل قصارى جهده ليكون عند حسن ظن المثقفين والمفكرين، الذين تربطه بهم علاقات قوية. وأكد أنه «لا يوجد أحد فى مصر غير متخوف من الظروف والأحداث التي تمر بها البلاد عقب ثورة 25 يناير». وفي المقابل تقدم فريق من مناهضي عرب بمذكرة لرئاسة مجلس الوزراء باسم أكثر من 200 من موظفي الوزارة، تتهمه بالتهرب من المسؤولية، في إشارة إلى استقالته أواخر حزيران (يونيو) الماضي قبل يومين من التصويت على جوائز الدولة حتي يتمكن من إبقاء اسمه ضمن قائمة المرشحين للفوز بالجائزة التقديرية.