احتفل الجيش اللبناني أمس، بعيد تأسيسه ال67 من خلال تقليد السيوف للضباط الخريجين في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والجمارك في دورة «الرائد الشهيد وليد الشعار»، وذلك في ثكنة شكري غانم - الفياضية، حيث أكد رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن «الدولة لن تقبل تحت أي ذريعة وفي أي ظرف إجبار الجيش على التخلي عن واجبه في أي بقعة من لبنان»، وشدد في كلمة ألقاها أمام الضباط على أن «لا شراكة مع الجيش والقوى الشرعية الرسمية في الأمن والسيادة واحتكار القوة التي هي حق حصري للدولة». وإذ أشار إلى أن «الجيش هو القوة القادرة والعادلة التي تعمل في ظل الضوابط المنبثقة من القوانين والأنظمة والشرائع»، قال: «إن الجيش يؤدي الحساب ويقبل المحاسبة بالطرق القانونية والقضائية والإجراءات المسلكية التي تنص عليها أنظمته وهو يحمي ولا يعتدي، يبني ولا يهدم، يعمر ولا يدمر، يحافظ على الحق ولا يغتصب ولذلك باسم الشعب اللبناني، على القضاء أن يصدر الأحكام على الذين اعتدوا على الجيش من دون تردد أو خوف أو حسابات من أي نوع كان». وأعلن سليمان «أن أي سعي للاستئثار بتأييد الجيش ومحبته ودفعه إلى الانحياز إلى فئة من دون أخرى لن يفيد، وستفشل أي نية في تغطية مرتكب أو مسيء إلى الأمن، في ظل إرادة سياسية معلنة ومفترضة بعدم توفير مثل هذا الغطاء للمعتدين». وشدد على أن «التغيير في البيئة المحيطة، يجب أن يدفعنا لتحسين ممارستنا الديموقراطية ولتحصين دعائم وفاقنا الوطني وأمننا الاجتماعي وتعزيز موقعنا ودورنا على الصعيدين الإقليمي والدولي ويحتم علينا ممارسة دور أكبر وأكثر طليعية في ظل احتمال تبديل التوازنات الاستراتيجية. كما تبدو لنا الحاجة ملحّة لوضع استراتيجية وطنية للدفاع تجمع القدرات الوطنية للتصدي لمخططات العدو الإسرائيلي». التزام الطائف وجدد سليمان موقف «حياد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات العربية والإقليمية التي تشكل موضع تنازع بين اللبنانيين أنفسهم»، لكنه أكد «عدم تحييده عن محيطه وقضايا العرب المحقة، لا سيما منها القضية الفلسطينية مع حرصنا الدائم على العدالة وإقرار حق العودة ورفض أي شكل من أشكال التوطين». ورأى أن «البحث عن تفاهمات تمنع استيراد الأزمات الإقليمية يتطلب التزاماً حقيقياً باتفاق الطائف ومشروع الدولة التي تؤمن مصالح وشراكة جميع الطوائف في إطار ديموقراطي». وحضر الاحتفال الذي دعا إليه قائد الجيش العماد جان قهوجي، رئيسا المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، والرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، ونائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل ووزراء ونواب وسفراء وممثلو بعثات ديبلوماسية ودولية لدى لبنان، والملحقون العسكريون وقائد قوات «يونيفيل» الجنرال باولو سيّرا وضباط القيادة ورئيس فريق مراقبة الهدنة، وممثلو المرجعيات الدينية ورؤساء السلطات القضائية وقادة الأجهزة الأمنية وأركان قيادة الجيش ونقباء المهن الحرة وممثلو المجتمع المدني وأهالي الضباط الخريجين. وعرض سليمان في كلمته محطات في تاريخ الجيش اللبناني، وقال: «تغيرت صيغة الحكم والتوازنات وتبدلت العهود، وبقي الجيش حافظاً للميثاق والعهد. أما الاستثناء القاتم خلال سنوات المحنة الوطنية الكبرى فولد من خطيئة شل الجيش وتغييبه. فعندما استهدفت المؤسسة العسكرية وعطلت كضامنة للوحدة وحامية للوطن والمواطنين، أعطيت إجازة المرور للأمن المستعار الذي استحال وصاية لرعاية الوضع القائم لفترة ثلاثين سنة. وفي لحظة الانعتاق من دولة الحماية الأجنبية والانتداب، أمسك الجيش بمسؤولية حماية لبنان المستقل. وعند انتهاء الوصاية بعد التحرير من العدو، حمى الجيش الساحات المتقابلة، المتناقضة المشاعر والمختلفة الشعائر والشعارات، وأمن طريق الانتقال إلى الحرية واستقلالية القرار». وخاطب الضباط الخريجين قائلاً: «تتقلدون السيوف في زمن واقف على حافة المصائر حيث يتسارع التاريخ، فيما الشعوب المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية تتلمس خياراتها السياسية وتحاول وضع الحجر الأساس لمستقبل تعترضه المصاعب وإشكاليات التوفيق بين مستلزمات الحداثة والرغبة في التقليد. وها هي التحولات التاريخية في العالم العربي، المشوبة بالعنف، تلتحق أخيراً بالنموذج اللبناني في بعده المنفتح على الديموقراطية والذي طالما ظهر شذوذاً على عادات المنطقة وتقاليدها». وشدد على أن «الجيش لا يستطيع إتمام مهماته من دون توفير بيئة وطنية مرتكزة على البديهيات التي وضعها الآباء المؤسسون بأشكال ومناسبات مختلفة وآخرها ما أعيد صياغته وتأكيده في «إعلان بعبدا»، كما تبقى الحاجة قائمة بإلحاح لدعم الجيش وتجهيزه بالعتاد وبالأسلحة المتطورة والهادفة». وقال: «نعم للعيش الإنساني والسياسي المشترك على قاعدة الثوابت والقيم، لكن، لا للتعايش بين دويلات ومنعزلات اجتماعية وطائفية تنمو على هامش الدولة وعلى حساب وحدتها. نعم للمشاركة في الدفاع الوطني بصيغة متوافق عليها في إطار الدستور ومستلزمات الوفاق الوطني وقرارات الشرعية الدولية، نعم للصراع السياسي والفكري المرن، المنفتح والمفتوح على حق الاختلاف الديموقراطي، وعلى آفاق الثقافة الرحبة، ولا للعقائد المعطلة للحرية وللرأي الآخر في مجتمع متعدد ثقافياً ودينياً كلبنان». رعاية النازحين ولفت إلى أن «تجربة العقود المنصرمة أثبتت أن أي منطقة ينزع عنها غطاء الجيش تصبح مكشوفة لكل أشكال التسيب والعدوان. فلا يخطئن أحد في التقدير أو الحساب فتجربة السنوات ال30 الماضية كانت مريرة، عندما تم تهميش دور الجيش في الدفاع عن الجنوب». وأكد أن الجيش «سيواصل التزامه في الجنوب مواكبة عمل قوات «يونيفيل» في استكمال تطبيق القرار 1701 والتصدي لخروق العدو الإسرائيلي جواً وبراً وبحراً. وسيستمر في حماية المواطنين ورعاية النازحين على الحدود مع سورية ومنع تحويل الأراضي اللبنانية ممراً أو مقراً للسلاح والمسلحين تطبيقاً لمبادئ إعلان بعبدا وقرار مجلس الوزراء في 9 تموز الماضي ولأحكام القانون الدولي». وأشار سليمان إلى أن الجيش «سيواظب على التحسب لأخطار الإرهاب ومحاربته إذا ما قام سعي لإحيائه، وعلى تفكيك شبكات التجسس والعمالة، ومؤازرة قوى الأمن الداخلي والأجهزة الشرعية الأخرى في السهر على الأمن على كل الأراضي اللبنانية»، لافتاً إلى أن «ميزان الأمن لا يعني توازن الفوضى وتقسيم الأمن، وسيف العدل لا يساوي بين قطع دابر الظلم وفتح سبيل الحق». وذكر بأن الجيش «يجسد الوحدة اللبنانية بامتياز جغرافياً وبشرياً. وهو فوق الطوائف والمذاهب والأحزاب والفئات، ويلتزم قرار السلطة السياسية ويحمي الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان. هو جيش للوطن لا جيش للنظام». وقال: «صحيح أن العنف الكامن والتطرف المواجه بعضه بعضاً في المنطقة عاملان لا يسمحان بتسهيل مهمة ضبط النزاعات اللبنانية، لكن الحوار الدائم والبحث المستنير عن الغد في الحاضر كفيلان بإدارة التنوع وتحقيق الاستقرار. وسنواصل الدفع باتجاه المصالحة التامة على أسس ثابتة لا الحوار فحسب، فالخطر الأكبر ليس في حفر الخنادق بل في رفع الجدران بين اللبنانيين». وشدد على «الحاجة لإزالة الالتباسات وتخفيف حدة الصراع على السلطة المركزية من خلال قانون انتخابي عادل ومتوازن ينسجم مع روح الدستور ووثيقة الطائف، ويؤدي إلى مساهمة كل مكونات المجتمع في الحكم وإدارة الشؤون الوطنية. كذلك فإن اللامركزية الإدارية الموسعة المشفوعة بخطة تنمية متوازنة تشكل بدورها مجالاً لتخفيف الضغط وتفتح طريق العدالة الاجتماعية والمساواة». وتخللت الاحتفال تشكيلات جوية وعرض للفرق العسكرية. قهوجي ينتقد «السهام» على الجيش ولاحقاً زار العماد قهوجي رئيس الجمهورية في قصر بعبدا على رأس وفد من ضباط القيادة الكبار، وقال قهوجي أمامه إن «من يفترض به أن يكون الأكثر حرصاً على سلامة الدولة ومؤسساتها، يستمر في توجيه سهامه إلى صدر الجيش بهدف النيل من معنوياته والإيقاع بينه وبين أهله، والتشكيك في ولاء ضباطه وعسكرييه، وبالتالي تحييده عن إحدى مهماته الأساسية، وهي ضمان الأمن والاستقرار لجميع اللبنانيين على قدم العدالة والمساواة»، مؤكداً: «على رغم ذلك لن نتراجع قيد أنملة عن مسؤولياتنا الوطنية، ولن نفرط بحقنا المستمد من إرادة الشعب في التصدي للعابثين بالأمن، والساعين إلى النيل من هيبة الدولة، وتحويل ساحتنا الداخلية إلى حقل تجارب دولية وإقليمية». وإذ أشار إلى القوات الساهرة الرابضة في الجنوب، تحدث عن «قوى إضافية على الحدود الشمالية والشرقية، تمتشق بيد سلاحها المعروف، وباليد الأخرى سلاح الحكمة واليقظة والتبصر، حماية للمواطنين ودفاعاً عن الأرض، ومنعاً لأعمال التسلل والتهريب غير الشرعيين، وإحباطاً لأي محاولة مشبوهة تهدف إلى خلط الأمور وتوتير الأوضاع في تلك المناطق، من دون أن ننسى أمان الداخل وما يقتضيه من موجبات كثيرة». ميقاتي والحريري يهنئان وكان ميقاتي اعتبر أن «نتيجة ما يجري حولنا من أحداث، تجاوزت مهمة الجيش حماية الحدود جنوباً لتتضمن حفظ أمن الداخل، وتولى الجيش هذه المهمات بمناقبية عالية وتجرد. ومن هذا المنطلق جاء قرار الحكومة نشر الجيش على الحدود الشمالية والشرقية كي يعيد تثبيت الأمن والاستقرار والحد من وقوع الإصابات في صفوف أبناء المناطق المجاورة لتلك الحدود، والتي من حق أبنائها أن ينعموا بالأمان يوفره جيشهم الوطني، رمز الكرامة والسيادة الوطنية التي لا يرضى أي لبناني أن تنتهك لأي سبب كان». وأكد ميقاتي في تهنئته للجيش في عيده أن الحكومة «في صدد إقرار خطة متكاملة موزعة على أربع سنوات لتعزيز قدرات الجيش بتكلفة مالية تقدر بنحو بليون و600 مليون دولار، وستعمل الحكومة على تنفيذ هذه الخطة على خطين متوازيين، الأول من خلال إعداد مشروع قانون - برنامج يقدم إلى المجلس النيابي، والثاني من خلال الاتصالات التي نقوم بها لعقد لقاء دولي تحت مظلة الأممالمتحدة لتأمين الموارد والمعدات المطلوبة للجيش، وفق ما نص عليه القرار 1701». واتصل الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري بالعماد قهوجي مهنئاً بالعيد املاً ب «أن يبقى الجيش الدرع الواقية لسيادة لبنان واستقلاله ووحدته».