لم تعد للفلسطيني ميزة «احتكار» الخيمة، بوصفها جزءاً من تاريخ نكباته، وملامح هويته. لشعوب المنطقة، ومن دون إرادتها، مِعْلَم جديد يوحدها، ربما أكثر مما فعلت جامعة الدول العربية... إنها خيمة النزوح واللجوء، تتمدد هذه المرة إلى لبنان والأردن مجدداً، وكذلك تركيا التي اكتسبت «خبرة» من إيواء مئات الآلاف من أكراد العراق حين كان صدام حسين يسومهم «عدل البعث». القذافي لم يحرم الفلسطينيين نعمة الخيمة، حين دفعهم الى الصحراء، ليجعل طريقهم الى القدس أقصر! العراقيون انتقموا من مؤازرة أبو عمار لصدام في الكويت، فشرّدوا فلسطينييهم الى الخيم خارج بغداد. نجا المصريون من الكابوس، فلم تُعمِّر خيم «الميدان» إلا لنصرة الثورة... اللبنانيون جرّبوا النزوح الى الخيمة مرات، بعد حروب «التأديب» الإسرائيلية الهمجية. وأما السوريون فتبقى حصة الأسد لهم، لا فرق بين خيمة في لبنان أو الرمثا أو كيليكس... روائح الخراب والقتل تلاحقهم، ومعها تأفف أشقاء يؤازرونهم بالكلام. بؤس إقامتهم قد يطول، والمجزرة الكبرى أقوى من الشرق والغرب وبينهما العرب. الجميع عاجز أمام محنة «قلب العروبة» الذي ينضح اليوم دماراً وتقتيلاً بلا حدود، لتتمدد الخيمة والمخيم. قبلهم، لجأ إليها المتمردون على الكهوف الذين اختاروا الشمس، حوالى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد. الفرق أن السوريين الذين اختاروا الشمس اليوم، أُرغموا على منافي الخِيَم، وكلما تعمَّم الخراب توارى الأمل بإقامة قصيرة وراء الحدود. لا تريد تركيا لبنان آخر في سورية، تخشى اللبننة، وأوروبا تحذّر من يوغوسلافيا ثانية، لا تبدو أي قوة دولية قادرة على منعها. مزيد من القتل، واشنطن اطمأنت برسالة الضمانات الروسية إلى مصير الأسلحة الكيماوية، ومَنْ يدري ربما تكون هذه الترسانة ضماناً لحرب تفكيك طويلة. الخيمة ستكون شاهداً. النظام الجريح يقوي أسنانه ب «الميغ»، لا خوف من المراقبين، شجاعة المحاربين يخذلها تشرذم المعارضة. فإذا كان بعضها «انتهازياً» لدى معارضين، أليس للنظام أن يراهن على شطبها؟ ولأن الخِيَم لا يستقيم نصبها مع أوطان مستقرة بحرياتها ورفاهية مواطنيها، كان لا بد من قصف وحدتها، مرة بيد الحاكم، وأخرى بيد الخارج الذي لكثرة ما يردد الكلام على خوفه إزاء مصير الأقليات، يشجّعها على طلاقٍ مع أوطانها، لتهاجر الى مخيمات... عصرية. الخيمة شاهد على نهاية دول، ألبسها الحاكم رداء ما يجود به، فإذا غضب لا بد أن يكون بين الرعايا «عملاء»، وقصاص «الخيانة»، إبادة وطن! تعيدنا صور المحنة في سورية الى الكابوس اللبناني في سنوات حرب انتهت قبل نحو عقدين، فيما وحدة البلد بقيت معلّقة. «جنّة» الأقليات لا تجترح «معجزة» لطمأنة «شعوبها». في العراق ايضاً وحدة معلّقة على طموحات وهواجس، بينما استنساخ السودان كيانات لا يعطّله ضرب البشير بسيف الشريعة. هكذا تتساوى مصائر العرب، مزيد من الخِيَم والإبادات، وأوطان تنتظر يالطا إقليمية... شبيحة ليسوا من المحكومين فقط، وبلدان تنفجر لحظة الخروج من كهوف الخديعة. ولكن أليس العالم «متآمراً» علينا؟ إنه ظلم «الكون» حين يشيح ببصره عن عقود تحمّلت فيها الخيمة همجية إسرائيل وبربرية الحاكم. أما ساكنها فجشِع الى الحد الذي يدفعه الى الجحود، رغم كل «نِعَم» الجمهوريات «المترفّعة» بأحزاب لا تموت، وبقادة وُلِدوا ليكونوا رعاةً للهزيمة الكاملة. هي هزيمة الإنسانية لدى العرب، ومعها يُباح قتل الأطفال، وتصنيف المدن «العميلة»، لمحو كل أثر مدني. بدايتها شعارات احتقرت العقل، ونهايتها خيمة بلا هوية. صوملة، لبننة، عرقنة، سودنة... شعوب المخيمات ما زالت حيّة.