أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن التحولات الكبرى التي تعرفها منطقة شمال أفريقيا تشكّل فرصة تاريخية لتفعيل البناء المغاربي. وقال في خطاب الذكرى ال 13 ل «عيد الجلوس»، أمس، إن هذه التحولات «تمنحنا فرصة تاريخية للانتقال بالاتحاد المغاربي من الجمود إلى حركية تضمن تنمية مستدامة ومتكاملة». وجدد دعوته إلى انبثاق «نظام مغاربي جديد» لتجاوز التفرقة القائمة والتصدي لضعف المبادلات وبناء فضاء مغاربي قوي ومنفتح. ورأى أن إلى حين تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي فإن المغرب سيواصل مساعيه لتقوية علاقاته الثنائية مع كل الشركاء المغاربيين «بمن فيهم جارتنا الشقيقة الجزائر». وأعاد إلى الأذهان حرص بلاده على استجابة التطلعات الملحة والمشروعة لشعوب المنطقة، بخاصة ما يتعلق ب «حرية تنقل الأشخاص والسلع ورؤوس الأموال والخدمات»، في إشارة إلى استمرار سريان مفعول إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر منذ صيف 1994. وعرض العاهل المغربي إلى تطورات قضية الصحراء، فقال إن بلاده «تؤكد عزمها على الاستمرار في الانخراط بحسن نية في مسلسل المفاوضات». لكنه رهن ذلك بتنفيذ اقتراح بلاده منح المحافظات الصحراوية حكماً ذاتياً موسعاً في إطار السيادة المغربية. وأضاف أن الاقتراح «مشهود له بالجدية والصدقية من طرف المجتمع الدولي». ورأى أن الانخراط في هذا المسلسل لا يعادله إلا عزم بلاده على «التصدي بكل حزم لأي محاولة للنيل من مصالحه العليا أو الإخلال بالمعايير الجوهرية للمفاوضات». وفي السياق ذاته، أعلن العاهل المغربي أن بلاده منكبة على تحقيق جهوية متقدمة في الصحراء في أفق التوصل إلى حل سياسي في إطار الأممالمتحدة والشرعية الدولية. ودعا الملك محمد السادس إلى تطوير العمل العربي المشترك وفق منظور استجابة تطلعات الشعوب، والتضامن الفعال والالتزام المتبادل تجاه ما يقتضيه بناء المستقبل العربي، على طريق ترسيخ التعاون المثمر وتقاسم المصالح العليا. وأشاد، في غضون ذلك، بقرار مجلس التعاون الخليجي إقامة شراكة إستراتيجية مع المغرب، مؤكداً التزام بلاده الراسخ «تعميق العلاقات مع الدول الشقيقة وتعزيزها في كل المجالات». ورأى أن هذه التطورات لا يجب أن تحجب «ضرورة التعاطي دولياً مع القضية الفلسطينية الجوهرية بشكل فعال وملموس». وحض المجتمع الدولي على معاودة النظر في طريقة تعامله وهذه القضية، موضحاً أن الغاية التي لا محيد عنها تتمثل في قيام «دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وقابلة للحياة داخل حدود 1967 عاصمتها القدس الشريف». وعرض خطاب الجلوس إلى المرحلة الجديدة في المغرب فوصفها بأنها «لم تكن محض صدفة ولا من صنع ظروف طارئة» وإنما تندرج في إطار إستراتيجية متدرجة. ورأى أن الإصلاحات الدستورية جاءت في سياق هذه الدينامية التي هدفت إلى مصالحة المغاربة مع ذواتهم وتاريخهم، ومعاودة الاعتبار إلى اللغة الأمازيغية، ثم إصلاح مدونة الأسرة وإقرار مبادرة التنمية البشرية وهيكلة الحقل الديني. وقال: «بانخراطنا الجاد في هذه الإصلاحات تمكّنا من فتح ورش المراجعة الدستورية وفق مقاربة تشاركية».