يسعى معرض في غاليري تريتياكوف في موسكو إلى اكتشاف الأصول الفنية للفنان مارك شاغال الذي ولد في روسيا القيصرية ودرس فيها قبل أن يهاجر الى فرنسا بُعيد الثورة البلشفية. والمعرض المستمر حتى 30 أيلول (سبتمبر) يهدف الى مساعدة الروس في «فهم لغز شاغال» الذي حذف اسمه من الموسوعات السوفياتية، كما تقول مفوضة المعرض ايكاترينا سيليزنيفا. وفي واجهات العرض، تظهر رسوم شعبية على الخشب وأيقونات، أو سجاد بدائي وشمعدان بسبعة أغصان أو قوالب للخبز بالتوابل اليهودية التقليدية، ترافقها 300 لوحة ومنحوتة ورسم للفنان. وتقول سيليزنيفا: «الزوار غالباً ما يسألون: لماذا الحيوانات في أعمال شاغال زرقاء أو صفراء أو زهرية؟ ولماذا العروس تطير فوق الأسطح؟ ولماذا يبدو للرجل وجه مزدوج؟ سيفهمون الآن من أين كان شاغال يستقي صوره». وهكذا، فإن الجواميس ذات الألوان الفاقعة تظهر على سجادة حيكت مطلع القرن العشرين في جنوبموسكو، وتحيلنا هذه الرسوم إلى الحيوانات متعددة الألوان في أعمال شاغال. وهذا الرجل في «اللوبوك» (رسم شعبي روسي) الذي أنجزه رسام مجهول عام 1896 ويطفو بهدوء فوق الأسطح، سيتحول بعد 15 سنة إلى إحدى الشخصيات المفضلة لدى شاغال. ولد شاغال قبل 125 سنة في عائلة يهودية فقيرة قرب فيتيسبك (في بيلاروسيا راهناً) التي كانت جزءاً من روسيا القيصرية. ولن ينسى موشيه سيغال (اسمه الأصلي) حياته المحددة بالقيود التي فرضتها كاترين الثانية على تنقلات اليهود، نهاية القرن الثامن عشر. في المعرض رسوم «بورتريه» لأفراد عائلة الفنان، ومشاهد من الشارع تتجاور وأشياء الحياة اليومية، من عربة طفل إلى أدوات للحلاقة مأخوذة من متحف يهودي في موسكو. ويتضمن المعرض أيضاً الحيوانات الشهيرة التي تزين قبوراً يهودية، وتستوطن لوحات شاغال، كما رسوم قوالب الخبز والعصافير أو السمك على زجاجيات رسمها الفنان لكنيسٍ في القدس. وكتب شاغال ذات مرة: «فني يستلهم الكتب التي رأيتها على مقاعد الدراسة وفي خزانات الكنيس، ولمستها بيديّ الشاحبتين»، ووصف نفسه بأنه «شجرة تثبتها جذورها في الأرض». ويتساءل المخرج الروسي ألكسندر ميتا، الذي يعد فيلماً طويلاً عن العلاقة المضطربة التي جمعت الرسام بزميله الروسي كازيمير ماليفيتش: «هل ينبثق شاغال من اللوبوك والأيقونات؟». ومع قيام ثورة 1917، عُيّن شاغال مفوضاً للفنون الجميلة في فيتيبسك، أحد أهم معاقل الريادة الروسية بين عامي 1918 و1922، والتي شكلت نقطة تلاقٍ للكثير من الفنانين من أصل يهودي. لكن، بعد خلاف مع ماليفيتش، استقال من منصبه هذا عام 1920، وغادر مسقط رأسه نهائياً. وبعد سنتين، غادر البلاد متوجهاً أولاً إلى برلين ثم إلى باريس. وعاد شاغال فقط لعشرة أيام، عام 1973، إلى الاتحاد السوفياتي حيث كان يعتبر رسمياً «رساماً بورجوازياً» وكان شبه محظور، وذلك في إطار معرض قصير في غاليري تريتياكوف. وفي 1987، بعد سنتين على وفاته وفي خضم «البريسترويكا» تشكّل طابور طويل في موسكو أمام متحف بوشكين في إطار أول معرض كبير لشاغال في روسيا. ويعرض غاليري ترتياكوف، هذا الصيف أيضاً، أعمال «كولاج» غير معروفة للرسام إذ تعود إلى الستينات والسبعينات من القرن العشرين، فضلاً عن رسوم عن «الكتاب المقدس» وقصائد لا فونتين مصدرها مجموعات خاصة في فرنسا وسويسرا وليشتنشتاين. وتشير مفوضة المعرض أن «شخصيات شاغال تحلق حول الأرض، إلا أنها تعود دائماً الى المكان الذي انطلقت منه».