في مكةالمكرمة، تتظافر المواقع والشواهد التاريخية، لتكمل اللوحة الكبرى للحرم المكي الشريف محاطاً بحي عتيق أو زقاق ضارب في القدم، أو جبل أو شعب سار عليه السابقون الأولون من المؤمنين، أو أولئك الذين طغوا وتجبروا ليطفئوا نور الإيمان من أكابر قريش وسادتها. حي جرول لا يغادر ذاكرة المكيين، فهو متوغل فيها منذ أن مكث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحم من بئر طوى التي تقع بداخله لمدة ثلاثة أيام قبل التوجه إلى مكة في عام حجة الوداع، ومع ذلك فالمكان يجمع النقيضين، إذ به قبر أبي لهب وجبل قعقعان وغيره من المعالم التاريخية الموجودة حتى الآن. وجاء ذكر حي جرول وهي حارة مكية تاريخية في عدد من كتب التاريخ، وكان اسمها متداولاً في القرن ال11، وكان يعرف بأنه وادٍ من أودية مكة، كله معمور اليوم، يسيل في سفوح جبل أذاخر والحجون من الغرب، وتفضي إليه كل من ثنية الحجون وثنية ريع الرسام، ويذهب حتى يصب في المسفلة عند قوز النكاسة (الرمضة قديماً) من الجهة المقابلة. وعليه من الأحياء: العتيبية، وجرول، والتنضباوي، وحارة البرنو ومعظم شارع المنصور، والليط، والحفائر داخلة في نطاق وادي طوى وكذلك الرصيفة والنزهة والزاهر والعمرة إلى عين شمس، وهي موجودة في الصكوك وبقيت على هذه الحال حتى نهاية السبعينات. كما أن سكان هذا الحي منذ القدم كانوا من البادية وعرب قبائل مكة، ويقول المؤرخ ابن حسان: «إن كل البادية من خارج مكةالمكرمة وداخلها يسكنون جرول، إذ كانت الوحيدة التي تحتضنهم وتفتح صدرها لهم وتؤويهم في مقاهيها ومنازلها»، وكان هؤلاء البدو يأتون إلى جرول بحثاً عن عمل، إذ كان في عهد الملك عبدالعزيز لا يسكنها أكثر من ثلاثة آلاف منزل. وكان الشيخ عبدالله السليمان وهو وزير المالية في عهد الملك عبدالعزيز يوزع على فقراء البادية الكثير من المواد الغذائية والأكل وكان عليه إقبال كبير بسبب فقر سكان الحي الذي يستقطب الباحثين عن عمل من أهل البادية.