شكت غالبية الدول العربية، وما تزال تشكو، من تدخلات إيرانية في شؤونها الداخلية. وذهب بعضها، تصريحاً أو تلميحاً، إلى أن هذا التدخل يتخذ أشكالاً عدة، من دعم مالي لأطراف داخلية وتعبئة وتحريض ونشر مذهب ولاية الفقيه وصولاً إلى شبكات تجسس تعمل مباشرة مع السلطات الإيرانية، خصوصاً «الحرس الثوري». إيران تتباهى ببعض هذا الدعم، خصوصاً في لبنان وسورية وفلسطين، بذريعة مواجهة إسرائيل. وتعلنه في العراق بذريعة مواجهة النفوذ الأميركي، خصوصاً بعد الغزو. وتنشر قوات وتقوم بمناورات في الخليج بحجة مواجهة القوات الأميركية في المنطقة. لكن، ورغم أن مثل هذه المبررات والحجج لا تبرر قط أي تدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، يبقى أن الشكوى من السياسة الإيرانية تأتي أيضاً من السودان ومصر وصولاً إلى موريتانيا والمغرب. بكلام آخر، يطاول التدخل الإيراني كل المنطقة العربية. وبالتأكيد لا يتوقف عندها. إذ إن الشكوى تتكرر في المحيط الإيراني غير العربي، من باكستان وأفغانستان وأذربيجان. اضافة إلى تلك الشبكات الإيرانية في بقاع كثيرة من العالم، من جنوب شرقي آسيا إلى أوروبا وصولاً إلى أميركا اللاتينية، مروراً بالقارة الأفريقية. وهي شبكات متهمة أيضاً بكثير من النشاطات غير القانونية، من التهريب والتحريض وصولاً إلى أعمال إرهابية. ووفي مواجهة هذه الكمية من الاتهامات والاشتباهات، تكرر إيران أن هذه الحملة إنما تقوم بها الدوائر الأميركية والإسرائيلية لأن طهران وحدها تقف في وجهيهما. أما عن كل الأدلة عن التورط الإيراني، فلا يسع طهران إلا أن تنفي مسؤوليتها على نحو لا يقنع أحداً. كما أن هذا السلوك الإيراني العام إزاء العالم، خصوصاً منطقتنا، يقع في إطار السياسة العامة لطهران الساعية إلى مراكمة القوة العسكرية بكل أنواعها، بما فيها القوة النووية ربما، من اجل أن تنتزع ما تسميه مصالحها الحيوية في المنطقة والعالم. أي أن الشبكات الإيرانية التي تتدخل في العالم، ومنطقتنا، لا تتوافق مع هذه الاستراتيجية فحسب، وإنما هي إحدى أدواتها المهمة. لقد كررت طهران، حتى الملل، أن ثمة مساعي أميركية وغربية من اجل جعل إيران عدواً للغرب بدل إسرائيل. وإن هذه المساعي تهدف إلى التطبيع مع إسرائيل وتغذية العداء إزاء إيران. لكنها في الوقت نفسه لا تترك مناسبة تمر من دون إظهار هجومية سياسية وميدانية إزاء العرب. وترفض إعطاء أية ضمانات حقيقية وتطمينات فعلية في شأن نياتها، سواء في الهيمنة السياسية أو في ما يتعلق ببرنامجها النووي. ما يجعل الشك والريبة، وأحياناً العدائية، من ميزات العلاقات الإيرانية - الخليجية. قبل أيام قليلة، أعلنت صنعاء اكتشاف شبكة إيرانية، وقال الرئيس اليمني إن لديه الأدلة على ذلك. ومنذ فترة اتهمت شبكة إيرانية بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن. وفي الغضون، اعلن اكتشاف شبكات إيرانية أخرى في الكويت والبحرين، وقدم متهمون إلى المحاكمة. كما جرى التلميح إلى شبكات في بلدان خليجية أخرى. إيران تتدخل في الشؤون العربية عموماً، والخليجية خصوصاً... لكن ماذا بعد؟ وفي كل هذه الحالات، صدر بيان من مجلس التعاون يدين السياسة الإيرانية ويندد بها ويتضامن مع الدول المستهدفة ويدعمها... لكن ذلك لم يمنع تكرار التدخل الإيراني أكثر فأكثر. ما يجعل مشروعاً التساؤل عن جدوى التنديد والتضامن إذا لم يؤد إلى وقف هذه التدخلات، أو حتى التساؤل عن جدوى البيانات أصلاً.