المحيط الهندي مكان أساسي في العولمة، وفضاء بحري في قلب التحديات الجيو- استراتيجية الرئيسة على الكوكب. وتحت أنظار الولاياتالمتحدة، تترافق طموحات العملاقين الإقليميين: الصين والهند. ويُسمى المحيط هذا «المحيط الهندي» وتعتبره نيودلهي منطقة نفوذها. وهو أيضاً الصلة بين أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا حيث تمر الطرق البحرية التي تغذي نمو الكوكب. والممر الإجباري لموارد أفريقيا والشرق الأوسط نحو الصين والهند: يمر ربع التجارة العالمية وثمانون في المئة من نفط الصين في مضيق ملقا، وهو صلة الوصل بين المحيطين الهندي والهادئ وبين بحر اندامان وبحر الصين الجنوبي. وطرح رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو منذ 1947 «مبدأ مونرو» ليوضح كيف أن الهند التي باتت مستقلة، لا ترغب في وجود قوات من البلدان الاستعمارية في دائرة نفوذها. وعلى رغم القضاء على الاستعمار، ظلت قوى غربية هناك، وغذّى «مبدأ مونرو» على الطريقة الهندية الديبلوماسية والاستراتيجية الهنديتين. كان المحيط الهندي في ما مضى «بحيرة بريطانية»، وشهد المواجهة الأميركية – السوفياتية أثناء الحرب الباردة ثم هيمنة الولاياتالمتحدة التي تتمركز قواتها في القاعدة البحرية في دييغو غارسيا. صعود قوة الصين، الحليفة لباكستان منذ نهاية السبعينات وما تبعه من تحديث لجيوشها – وهو واحد من أربعة تحديثات دعا إليها (الزعيم الصيني الراحل) دنغ كسياوبنغ- تجعل الهند تستعد أيضاً لمواجهة هذا الخطر المحتمل عبر إعادة اكتشاف منطقتها البحرية وما يتعلق بالبحرية الهندية، وريثة البحرية البريطانية. ويشير بارثيلمي كورمون وكولن غيراثي في العدد الأخير من مجلة «هيرودوت» المخصص ل «جيو - سياسة المحيط الهندي» إلى أن «نيودلهي حشدت لهذه الغاية أدوات وحجج «القوة الناعمة» ابتداء من العقد الماضي وتستكملها بنشاط بحري مهم وبمناورات مشتركة (ثنائية ومتعددة الأطراف) في خليج البنغال وبحر عُمان وباتفاقات وزيارات إلى مدغشقر وفيتنام مروراً بعمان وسنغافورة». ويمر التجديد أيضاً عبر شراء الوسائل. ومن الروس، اشترت البحرية الهندية حاملة الطائرات «الأدميرال غرشكوف» وأعادت تسميتها «فيكراماديتيا». وبدأت الحاملة في حزيران (يونيو) الماضي فترة تجارب في بحر بارنز قبل تسليمها إلى الهنود. وستنضم إلى الحاملة القديمة «فيرات» التي كانت الهند اشترتها من بريطانيا ويفترض أن تبقى في الخدمة حتى عام 2020. وهناك صفقتان مقررتان لقطع ستدخل الخدمة عام 2016. وفي أيلول (سبتمبر) 2011، قامت طائرة «بوينغ» من طراز «بي –81» المخصصة للمراقبة البحرية بطيرانها الأول لتدشينها وستسلم إلى البحرية الهندية في 2013. وعززت الهند أسطولها من الغواصات في نيسان (أبريل) الماضي بوصول الغواصة الهجومية النووية «شاكرا». وعرف مسؤولو البحرية الهندية كيف يتعاملون مع التهديد الصيني وفق حاجاتهم المحددة في الموازنة. وأعلن في أيلول 2011 عن خطة لإضافة ستين بليون دولار في إطار زيادة مقررة تبلغ نسبتها عشرين في المئة مخصصة لتطوير قوة البلاد البحرية. وقبل ذلك بشهر، رُصدت سفينة مراقبة صينية في خليج البنغال. ووضع بعض الدوائر الأميركية نظرية، لحساب البنتاغون، عن هذا النزال بين العملاقين الإقليميين سميت «عقد اللؤلؤ» تهدف إلى تلخيص استراتيجية بكين في المحيط الهندي: من الشرق الأوسط إلى بحر الصين الجنوبي تبني الصين شبكة من القواعد العسكرية واللوجستية التي تتيح لها ضمان طرق إمدادها خصوصاً في بورما وبنغلادش وباكستان –القاعدة البحرية في غوادار- وفي تايلاند وسريلانكا من خلال قاعدة هامبانتونتا. ويعتبر مناصرو هذه النظرية أن كل زيارة لمسؤول صيني رفيع المستوى إلى المنطقة تعزز مقولاتهم وتمتين الصلات بين بحريتي البلدين مثلما حدث في تموز (يوليو) 2010 حيث مر ببنغلادش سي جنبنغ المرشح ليكون الرئيس الصيني المقبل. ويرون أيضاً أن في المشاركة الصينية منذ 2008 في الصراع ضد القرصنة الصومالية التي تمس الربع الشمالي الغربي من المحيط الهندي، علامة على التوجهات البحرية الجديدة للقوات الصينية. بيد أن النظرية هذه لا تصمد البتة أمام تحليل الوقائع التي يقول أكثر الاختصاصيين أنها تشير إلى عدم امتلاك الصين الوسائل اللازمة لتهديد التفوق الهندي أو الأميركي في المحيط الهندي في السنوات العشرين المقبلة على الأقل. وبكل تأكيد، تسعى الصين إلى زيادة نفوذها لكن هذا لا يمر عبر الوجود العسكري. فأولويتها تبقى بحر الصين الجنوبي. * صحافي، عن «لوموند» الفرنسية، 18/7/2012، إعداد حسام عيتاني