تواجه الولاياتالمتحدة، في الوقت الحالي، ثلاثة تحديات جيوبوليتيكية في آسيا، تتمثل في: الكابوس الإستراتيجي للشرق الأوسط الكبير، الصراع من أجل بسط النفوذ على الجزء الجنوبي من دول الإتحاد السوفيتي السابقِ، والحضور المتزايد للهند والصين في المحيط الهندي. ويبدو أن التحدي المرتبط بالهند والصين هو الأقل وطأة؛ فالصين ليست عدوا للولايات المتحدة (مثل إيران) لكنها منافس شرعي لها. أما الهند فهي حليف ناشئ، كما أن صعود البحرية الهندية- لتصبح ثالث أكبر قوة بحرية في العالم بعد الولاياتالمتحدة والصين- من شأنه أن يعمل كموازن للتوسع العسكري الصيني. وفي هذا الإطار، ستتمثل مهمة القوة البحرية الأمريكية في تدعيم القوة البحرية لحلفائها (الهند في المحيط الهندي واليابان في المحيط الهادي الغربي)، وذلك بهدف الحد من توسع الصين. وفي نفس الوقت يجب على واشنطن أن تستغل كل فرصة لضم البحرية الصينية إلى التحالفات الدولية؛ إذ أن التوصل إلى تفاهم بحري صيني- أمريكي يعد أمرا مهما لتحقيق الاستقرار في السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين. ولإدارة المحيط الهندي بشكل عملي، يجب على المخططين العسكريين الأمريكيين استغلال التهديدات التي تواجهها، مثل الإرهاب والقرصنة والتهريب، لحشد دعم الهند والصين وغيرهما من الدول للقيام بدوريات بحرية مشتركة. ويجب أن يكون هدف الولاياتالمتحدة هو صياغة نظام بحري عالمي بإمكانه الحد من أخطار النزاعات بين الدول، مع التقليل من أعباء المراقبة التي تقوم بها البحرية الأمريكية. وسوف تزداد أهمية الإشراف الوقائي للقوة البحرية الأمريكية باعتبارها القوة البحرية الوحيدة التي لا تملك طموحات إقليمية في الأراضي الآسيوية، ما يمكنها من التعاون مستقبلا مع بعض البلدان الآسيوية مثل الهند والصين، على نحو يفوق تعاون تلك الدول مع بعضها البعض. وقد ألمحت واشنطن، في أكتوبر2007، إلى رغبتها في أن يكون لها حضور رئيسي في المحيطين الهندي والهادي، وهو ما يعد تغيرا بالغ الأهمية في الإستراتيجية البحرية الأمريكية. وربما يكمن السبب وراء ذلك في نتائج بعض دراسات البحرية الأمريكية التي ترى أن المحيط الهندي (والمياه المجاورة له) سيكون المسرح الرئيسي للنزاعات العالمية بحلول 2025. ومع ذلك فإن التحديات التي تواجهها الولاياتالمتحدة في أعالي البحار، في ازدياد. كما أنه من غير الواضح، حتى الآن، إلى متى ستدوم هيمنة البحرية الأمريكية. ففي نهاية الحرب الباردة، كان لدى البحرية الأمريكية 600 سفينة حربية؛ انخفض عددها الآن إلى 279 سفينة. وقد يزداد هذا العدد إلى 313 في السنوات القادمة بإضافة "سفن مقاتلة ساحلية جديدة"، لكنه من الممكن أيضا أن ينخفض إلى 200 بسبب زيادة التكاليف بنسبة 34%، فضلا عن انخفاض سرعة بناء السفن. وبانخفاض عدد هذه السفن تزيد المخاطر المرتبطة بكل قرار يمكن اتخاذه، وهو ما يؤثر على فاعلية أداء الولاياتالمتحدة بصفة عامة. وفي لحظة ما من العقد القادم، ستتفوق البحرية الصينية على نظيرتها الأمريكية من حيث عدد السفن الحربية، إذ تزيد سرعة إنتاج وامتلاك الصين لغواصات بنحو خمس مرات عن واشنطن، فضلا عما تمتلكه بكين من الألغام البحرية والصواريخ الباليستية التي يكمن أن تصيب أهدافا متحركة في البحر، والتقنية التي تمنع التقاط الإشارات بواسطة الأقمار الصناعية الخاصة بتحديد المواقع التي تعتمد عليها البحرية الأمريكية. كما تسعى الصين للحصول على حاملة طائرات، وذلك بهدف منع البحرية الأمريكية من الإطباق على الأراضي الآسيوية، متى أرادت ذلك. ومع تزايد توسع المصالح الاقتصادية للصين بشكل كبير، يصبح من الطبيعي أن تزيد الصين من قدراتها العسكرية، خاصة البحرية، لحراسة هذه المصالح. فقد فعلت المملكة المتحدة ذلك في القرن التاسع عشر، وكذلك فعلت الولاياتالمتحدة عندما ظهرت كقوة عظمى بين الحرب الأهلية الأمريكية والحرب العالمية الأولى. وقد ظهر مسعى الصين لإثبات حضورها في المحيط الهندي بوضوح في عام 2005، في الاحتفالات التي أقامتها لإعادة إحياء رؤية "زينج هي"، المستكشف والأميرال الصيني الذي جاب البحار بين الصين وإندونيسيا وسريلانكا والخليج العربي والقرن الأفريقي في أوائل القرن الخامس عشر، وهي احتفالات تعكس قناعة الصين بأَن هذه البحار كانت دائماً جزءا من منطقة نفوذها. وكما كان الحال في نهاية القرن التاسع عشر- عندما بدأت البحرية الملكية البريطانية في خفض وجودها في جميع أنحاء العالم من خلال الاستفادة من تزايد القوة البحرية لحلفائها (اليابانوالولاياتالمتحدة)- شرعت الولاياتالمتحدة، مع بداية القرن الحادي والعشرين، في خفض "أنيق" لوجودها العسكري من خلال الاستفادة من القوة البحرية المتنامية للحلفاء، مثل الهند واليابان، وذلك لتحقيق التوازن في مقابل الصين. وفي هذا السياق، ترغب الهند، لأكثر من سبب، في مساعدة واشنطن في موازنة قوة الصين. ولأن نيودلهي تنظر إلى صعود الصين بوصفه مصدرا للتهديد، فقد قامت بتوسيع وجود بحريتها من أقصى الغرب حيث قناة موزمبيق إلى أقصى الشرق حيث بحر جنوب الصين. كما اتجهت إلى إنشاء مواقع انطلاق بحرية ومحطات تنصت تابعة لها في جزر مدغشقر وموريشيوس وسيشيل بهدف مواجهة التعاون العسكري الصيني النشط مع هذه الدول. ومع تشكل التحالف الصيني-الباكستاني بدأ التنافس الهندي-الصيني يأخذ شكل "مباراة بحرية كبرى". وعلى الرغم من سعيها لزيادة التعاون مع الصين، تقوم الولاياتالمتحدة بتشجيع الهند على موازنة قوة الصين. فخلال الحرب الباردة، كان المحيطان الهادي والهندي بحيرتين أمريكيتين بمعنى الكلمة، إلا أن مثل هذه الهيمنة لن تدوم. ومن ثم يجب على واشنطن استبدال نفوذها بترتيب ما يضمن توازن القوى لصالحها في هذين المحيطين. ولتحقيق ذلك يجب أن تعتمد البحرية الأمريكية على بناء التحالفات كما يجب أن تتعاون مع أي قوات بحرية توافق على القيام بدوريات في البحار وتتشارك معها المعلومات. ومن التجارب الموجودة بالفعل في هذا السياق: قوة العمل المشتركة (القوة- 150)، وهي قوة بحرية مقرها في جيبوتي تضم 15 سفينة من الولاياتالمتحدة وأربعة بلدان أوروبية بالإضافة إلى كندا وباكستان. وتقوم هذه القوة بدوريات ضد القرصنة في خليج عدن، حيث هاجم القراصنة أكثر من 100 سفينة في 2008. ويمكن تطبيق النموذج ذاته في مضيق ملقا وغيره من المياه المحيطة بالأرخبيل الإندونيسي. فبمساعدة البحرية الأمريكية، تمكنت القوات البحرية وخفر السواحل في كل من ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا من تكوين قوة مشتركة للحد من القرصنة في تلك المنطقة. ويمكن، من خلال قيام الولاياتالمتحدة بدور الوسيط، تكوين تحالفات تجمع بلدانا متنافسة مثل الهند وباكستان أَو الهند والصين، فلن يكون من الصعب على حكومات تلك الدول إقناع شعوبها بالمشاركة في قوة عمل تهدف لمواجهة تهديدات عالمية لا خلاف عليها. وتعد القرصنة، في هذا الإطار، هدفا يمكن أن يوحد الدول المتنافسة على طول الشريط الساحلي للمحيط الهندي. ونتيجة لضعف الحكومات وترهل البنى التحتية في بعض دول منطقة المحيط الهندي، يجب على الولاياتالمتحدة والدول الأخرى تغيير طريقة عمل جيوشها، بشكل يمكنها من التعامل مع أزمات غير مألوفة مثل القرصنة والهجمات الإرهابية والنزاعات العرقية والأعاصير والفيضانات. وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية (لاسيما البحرية) تتجه لتقليل تواجدها في هذه المنطقة، إلا أن الجيش الأمريكي لا يزال أقوى الجيوش النظامية على وجه الأرض، ومن ثم يتوقع الكثيرون منه قيادة جهود التصدي لمثل هذه الحالات الطارئة.