رمت العملية التي أسفرت عن استشهاد رئيس جهاز الاستخبارات ووزير الدفاع السوريين إلى بث الاضطراب طوال ساعات في صفوف الجيش السوري والنظام الأمني، ونفخ الشعور بفراغ والتمهيد للتدخل العسكري وإنهاء الأزمة السورية. وإذا راجعنا أخبار الأسابيع الماضية، نلاحظ أن النظام في تركيا زعم أن نحو 30 ألف جندي انشقوا عن الجيش السوري، وثبت زيف الزعم هذا. فالعناصر المنشقة التي غيّرت ولاءها مقابل المبالغ الضخمة، تعد على أصابع اليد. في يوم انفجار (مقر) مجلس الأمن السوري، عكفت محطتا «الجزيرة» و «العربية» على بث أخبار متواصلة تناولت انشقاق وحدات عن الجيش السوري ووصول الاشتباكات إلى مشارف القصر الرئاسي. وأفادت في نبأ عاجل أن الرئيس بشار الأسد هرب من دمشق وتوجه إلى اللاذقية. وتزامنت هذه الأخبار مع وقف بث المحطتين السوريتين على الأقمار الاصطناعية. هذه الأنباء تميط اللثام عمن يقف وراء الهجوم، وفيه، انتُهِج أسلوب الغواية، والخداع، والتعتيم على حال الخصم. ورمى إلى إلحاق الهزيمة بالخصم نفسياً. وحسِب المهاجمون أن الهزيمة النفسية تؤدي إلى هزيمة على أرض الواقع. لكن البارز والمهم في التطورات السورية، هو تحول الأجواء الأمنية تدريجاً إلى أجواء عسكرية. فالتطورات التي شهدتها دمشق في الأيام الأخيرة – انفجار مقر المجلس الأمني وتطهير حي الميدان من العناصر الإرهابية – تبرز دور الجيش في وضع حد للعدوان. وتطهير حي الميدان في 24 ساعة أظهر أن الجيش السوري، وعلى رغم مشاركته في مكافحة الأزمة طوال سنة ونصف سنة، لا يزال متأهباً للتصدي لمثل هذه المشكلات. وتحوّل الأجواء الأمنية إلى أجواء عسكرية هو مصدر خطر على الكيان الصهيوني وتركيا. فهو يؤذن ببدء حرب سورية - إسرائيلية واسعة، يشارك فيها إلى جانب سورية، كل من إيران و «حزب الله» ضد الكيان الصهيوني. وهذا الصراع من الممكن أن يفضي إلى حرب واسعة وشاملة غير محدودة بفترة زمنية. ومن الممكن أن تكون حرباً محدودة تؤدي إلى تحرير سورية أجزاء من الأراضي المحتلة. وسيسفر دخول سورية في صراع عسكري – سواء كان شاملاً أو محدوداً – عن تغيير الأجواء. وجلي أن إسرائيل، في الظروف الراهنة، ليست على استعداد لنزاع عسكري. فاندلاع الحرب على الجبهة السورية هو أسوأ ما سيحدث لها، لأن نشوب نزاع عسكري بين سورية وإسرائيل سيساهم في تعبئة أجواء المنطقة ضد الكيان الصهيوني، وتركيا، والدول العربية، والجبهة الأميركية- الإسرائيلية. وسيؤدي إلى تماسك جبهة المقاومة وتفعيل قواها. تغير الأوضاع في سورية من أمنية إلى عسكرية يفتح الأبواب أمام سورية للتصدي بيد من حديد للعناصر المسلحة، كما حصل في الأيام الأخيرة. ولا يتجاوز عدد الإرهابيين المسلحين في سورية، وهم يتمركزون في منطقة محددة ثم يختفون ويظهرون في منطقة أخرى، 5 آلاف شخص. والسيطرة على هذا العدد في ظل ظروف أمنية، عسيرة. لكنها يسيرة في ظروف عسكرية. ومن محاسن المصادفات أن لسورية خبرة طويلة في هذا المجال. ونجم عن تغيير مسار الحوادث نحو العسكرة، مواجهة تركيا والكيان الصهيوني ظروفاً أجبرتهما على دفع التكاليف المترتبة على أي إجراء ضد سورية مسبقاً. والدخول إلى المجال العسكري عواقبه غير واضحة المعالم. فالعوامل الدخيلة في التصعيد ونوعية النشاطات التابعة لها قبل بدء الاشتباكات كانت بالكاد قابلة للقياس. أما في ظل الأجواء العسكرية، فموقع البلد في خانة الدفاع أفضل من موقع الدول المهاجمة. ويقتضي المنطق أن تنتقل الظروف الأمنية إلى البلدان التي تقف وراءها في سورية، ما يساهم في تسهيل إدارة سورية هذه الساحة. * افتتاحية، عن «كيهان» الإيرانية، مقتطفات مقتبسة بتصرف من ترجمة موقع «خبر أونلاين»