لن تتبدد ذكرى الجلسة الأخيرة للدوما الروسي. فهي تنذر ببداية حقبة سوداء. فعلى رغم التفاؤل، التزم الدوما قوانين استبداديّة وغير شعبيّة. ويتحمل حزب «روسيا الموحدة»، وهو يمسك بالغالبيّة في الدوما، المسؤوليّة الكاملة. والحق أنّ بداية الولاية السادسة للدوما أواخر 2011 لم تكن مدعاة تفاؤل. فالأحزاب المعارضة رفعت صوتها ضد التزوير الذي شاب الانتخابات النيابيّة. لكن الرئيس الجديد للدوما، سيرغي ناريشكين، وعد بتحسين سمعة الدوما وتمنى على الجميع مؤازرته. ووعد الرئيسان بوتين ومدفيديف بإصلاح النظام وسن قانون أحزاب أكثر ليبراليّة، واستئناف عملية انتخاب حكّام المناطق، وتحديد آليّة جديدة لانتخاب المجلس الاتحادي. وظهر أثر النية الطيّبة التي أبدتها السلطات، فتعاون حزب «روسيا الموحدة» مع الأحزاب المعارضة في البرلمان. وامتدّ هذا التعاون إلى المعارضة غير الممثلة في البرلمان التي أبدت انفتاحاً على الحوار مع الحكم على رغم خروج آلاف من المتظاهرين إلى الشوارع احتجاجاً على التزوير وطلباً لرفع القيود عن الحريات. وتوافقت الأطراف كلها على تطوير النظام لجعله أكثر ليبراليّة وديموقراطيّة. ولكن، مع الوقت، تبيّن أن خطة السلطات مغايرة، وأن الكلام على إرساء الديموقراطية سطحي. فقانون الأحزاب الجديد يمهد لتشتيت المعارضة، أمّا عملية انتخاب حكّام المناطق، فلا تلتزم معايير ديموقراطيّة. ويفوض أعضاء المجلس الاتحادي بتولي مناصبهم من غير مشاركة المواطنين. وأدار «روسيا الموحدة» نزولاً على أوامر الكرملين، عقارب الساعة إلى وارء، وأُقِرت مجموعة قوانين ترسي نظاماً «عقابيّاً». ترمي هذه القوانين إلى احتواء النقمة الشعبيّة المتوقعة إزاء سوء الأوضاع الاجتماعيّة - الاقتصاديّة والسياسيّة في الخريف المقبل. فالقانون المتشدد الذي يفرض غرامات خياليّة على منظمي التظاهرات، هدفه الحؤول دون نزول الناس إلى الشارع. وعادت السلطة إلى لازمة وصف المعارضة بالطابور الخامس الموالي للقوى الخارجيّة المعادية. لذا، أقرت قانوناً يعتبر المنظمات التي تتلقى تمويلاً خارجياً «عميلة للخارج». ويقوض هذا القانون البنى التحتيّة للمجتمع المدني، واختتم المدّ الاستبدادي التشريعي بإعادة المادة القانونيّة، وهي تعاقب على التشهير وألغيت قبل ستة أشهر، إلى قانون العقوبات. ويبدو أنّ الضحيّة المقبلة للدوما هي وسائل الإعلام الإلكترونيّة. ويسعى حزب «روسيا الموحدة» إلى إقرار قانون في الخريف يستهدف من يسميهم «العملاء الأجانب» في شبكة الإنترنت، ويسعى إلى محاربة التحكم الأجنبي المزعوم بالإعلام الروسي. ويمتدّ الصراع إلى النظام الداخلي للدوما، فقد أبدى الحزب الحاكم عزمه على حرمان بعض نواب المعارضة من مقاعدهم. وثمة مشروع لتوسيع صلاحيّات «لجنة الأخلاق» في المجلس، التي على رأسها أحد نواب «روسيا الموحدة»، وتقتص اللجنة هذه ممن لا يشارك في نشاطات البرلمان أو يذهب في رحلات عمل غير مسوّغة، أو ينتقد السلطة. خلاصة القول إن السلطات الروسية لا تسعى إلى البقاء على استبدادها فحسب، بل يترسخ تسلطها وتزيده قسوة. * صحافي، عن موقع «نوفايا بوليتيكا» الالكتروني الروسي، 16/7/2012، اعداد علي شرف الدين