لم تعد صيحات الموضة تشغل النساء في مدينة الموصل العراقية (400 كلم شمال العاصمة بغداد)، بعد أن سيطر عليها عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وأعلنوا الزي الأفغاني فيها زياً رسمياً. والزي الأفغاني عبارة عن رداء أسود يغطي الجسم من الرأس حتى أخمص القدمين، ويشبه الملابس التي ترتديها النساء في مسلسل «باب الحارة» السوري، ما دفع عراقيون كثيرون على بعض مواقع التواصل الاجتماعي إلى التعليق بالقول «إن الموصل هي كواليس المسلسل في جزئه السابع الذي عرض في شهر رمضان الماضي على أكثر من شاشة عربية». في منطقة السرجخانة وسط الموصل حيث محال بيع الملابس النسائية، تحاول أم أحمد (52 عاماً) إقناع بناتها الثلاث بشراء الزي، الذي تتعرض من لا ترتديه إلى الجلد وربما الذبح. انتهت البنات بشراء الزي، لا لقناعة طبعاً بل نتيجة للترهيب من جهة، ولأن المحال لم تعد تعرض غيره بعد أن هدد عناصر «داعش» أصحابها. والواقع أن هؤلاء العناصر بدأوا يتشددون في تطبيق قواعد «دولتهم»، إذ إنهم قبل أيام تعرضوا بالسب والشتم لامرأة وزوجها في منطقة «سيدتي الجميلة» في الجانب الأيسر من الموصل إيذاناً ببدء قمع «المخالفات». وكانت تلك الانطلاقة لإلغاء مشهد التنوع عن الموصل بفعل عقيدة جديدة ترفضها غالبية الموصليين. ولا يقتصر تقييد الحريات الشخصية على النساء، بل يطاول الذكور أيضاً إذ حذرهم عناصر التنظيم من ارتداء البناطيل القصيرة (برمودا) التي كانت دارجة بين الشباب، وكذلك من ارتداء بناطيل الجينز والضيقة، داعين إلى ارتداء الزي الأفغاني المتمثل في قميص طويل يصل إلى الركبة وبنطلون، وهو الزي الذي يعتقدون أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كان يرتديه. وتقبل بعض الموصليين الأمر الواقع واستسلم له، فيما رفضه بعضهم الآخر شكلاً ومضموناً وهجر الموصل. وجاء الحديث عن التجنيد الإلزامي لشباب الموصل من جانب «داعش»، والتضييق على حرية النساء ومنعهن من العمل والخروج من منازلهن فضلاً عن تغيير الواقع الديموغرافي للمدينة، ليجبر المئات من الموصليين وعوائلهم على النزوح عن مدينتهم إلى تركيا. من بين النازحين ريان الحديدي (29 عاماً)، خريج كلية العلوم السياسية من جامعة الموصل، يقول بعد استقراره هناك: «داعش بدأت تفرض تطبيق أيديولوجيتها الفكرية على المحافظة بصورة تدريجية من خلال فرض أنواع معينة من الملابس، وهذا الموضوع يتعارض مع الإسلام». ويرى الحديدي أن الملابس التي يرتديها الموصليون لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، مؤكداً أن عاداتهم وتقاليدهم محافظة. ويلفت إلى أن أهالي المدينة «مسلمون منذ مئات السنين، ويعلمون جيداً أن الإسلام لم يلغ ِ ثقافة الآخر ما لم تتعارض مع الإسلام، دولة داعش هنا ستجد نفسها في تصادم مع الأهالي». علي البكري (26 عاماً) ناشط شبابي وعضو في برلمان الشباب عن نينوى، هاجر هو الآخر إلى تركيا بانتظار الهجرة الدائمة إلى إحدى دول أوروبا عن طريق مكتب الأممالمتحدة في اسطنبول، يقول: «جئت إلى تركيا بعد أن لمست تهديد مستقبلي ومستقبل باقي الشباب، يستخدمون الشباب وقوداً للحروب والصراعات». ويلفت البكري إلى أن الشباب الموصليين «يعانون ظروفاً صعبة ومستقبلاً مجهولاً وموتاً للأمنيات والآمال». ولم يحالف الحظ الجميع للهجرة، بل إن عدداً كبيراً من الشباب بقي في المدينة ينتظر المجهول، فيما قرر بعضهم الانخراط في صفوف «الدولة الإسلامية». ويعتقد البكري أن «من انخرط مع داعش إنما فعل ذلك للانتقام من القوات الأمنية بسبب الاعتقالات العشوائية في بعض الأحيان والتضييق على المواطنين». ويعتقد كثيرون في الموصل أن انخراط العشرات من أبناء المدينة مع التنظيم جاء كردة فعل على تجند كثيرين من الشيعة من وسط وجنوب العراق لمساندة القوات العراقية الشرعية ضد من وصفتهم فتوى السيد علي السيستاني بالإرهابيين. لكن ثمة إجماعاً على أن الوضع المستجد لا يصب في مصلحة أحد، خصوصاً أنه يزيد من الحساسيات الطائفية، بدلاً من تعزيز اللحمة الوطنية.